عظم حق الوالدين

Miscellaneous By Aug 12, 2010

عظم حق الوالدين

 

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيب رب العالمين

 

روى الحاكمُ وصححهُ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:

(( أعظمُ الناسِ حقًّا على المرأةِ زوجُها، وأعظمُ حقًّا على الرجلِ أمَّهُ ))

معنى الحديث: أن أعظمَ الناسِ حقًّا على الرجلِ وعلى المرأةِ غيرِ ذاتِ الزوجِ الأمُّ، أما المرأةُ المتزوجةُ فأعظمُ الناسِ حقًّا عليها زوجُها، فلو طلبَ الوالدانِ من المرأةِ المتزوجةِ أمرًا وطلبَ الزوجُ خِلافَهُ تكونُ طاعةُ الزوجِ مقدّمةً. وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ((أيّما امرأةٍ ماتَتْ وزوجُها راضٍ عنها دخلتِ الجنـّة)) وصحَّ حديث: ((أيما امرأةٍ باتت وزوجُها غاضبٌ عليها لعنتها الملائكةُ حتى تصبح)) ومعنى ذلك: أنَّ الرجلَ إذا طَلَبَ زوجتَهُ للاستمتاعِ المشروعِ ولَم يكن لَها عذرٌ للامتناعِ لا عذرٌ شرعيٌّ كالحيضِ ولا عذرٌ جسمانِيٌّ كالمرضِ لم يَجزْ لَها أن تَمتَنِعَ عن طاعتِهِ في ذلكَ، وإنِ امتنعت بلا عذرٍ كانَ ذنبُها كبيرًا.

 

وصحَّ حديث: ((خيرُكُم خيرُكُم لأهلِهِ وأنا خيرُكُم لأهلي)) معناه: أحسنُ الرجالِ الذي تكونُ معاملتـُهُ لزوجتِهِ أحسنُ. والرسولُ أحسنُ الناسِ، وكانت معاملتهُ أحسن معاملةٍ لأهلِهِ فكانَ يخصفُ نعلَهُ[1] بيدِهِ، ويرقَعُ ثوبَهُ بيدِهِ، ويَحلِبُ شاتَهُ بيدِهِ، ووردَ أنه يكونُ في مهنَةِ بيتِهِ أي يَخدمُ في البيتِ وهذا دليلٌ على كمالِ التواضعِ وهو أن لا ينتظرَ خدمةَ زوجَتِهِ بل يُبادِرُ هوَ إلَى الْخِدمَةِ، وهذا داخلٌ في حُسْنِ الْخُلقِ الذي حَضَّ عليهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حضًّا بالغًا. وقال عليه الصلاةُ والسلام: ((إنّ المؤمنَ ليُدرِكَ بِحُسنِ خلُقِهِ درجَةَ الصّائمِ القائم)) معناه: من صبَرَ على أذى الناسِ وكفَّ أذاهُ عنهم وأحسنَ إليهم يكونُ كأنهُ يقومُ كُلَّ يومٍ بالليلِ فيُصَلّي ويصومُ كُلَّ السّنةِ ما عدا الأيـَّام الخمسة التي لا تُصام [2]، ويصلُ المؤمنُ مع تقوى اللهِ بِحُسنِ خُلُقِهِ والإكثارِ من ذكرِ اللهِ إلى الولايةِ.

 

أما الوالدانِ حقُّهُما على الأولادِ عظيمٌ لاسيَّما الأم، ومَنْ كانَ بارًّا بوالديهِ تكونُ عاقبتُهُ حَميدة. فرِضى الوالدينِ فيما لا معصيةَ فيه بركةٌ في الدنيا والآخرة، وقد يُرزقُ الشخصُ رزقًا كثيرًا بسببِ برِّهِ لوالديهِ. وليسَ من الأدَبِ أن يطلبَ الولدُ إذا بلغَ من أمهِ أن تَخدِمَهُ بل من كمالِ الأدَبِ أنْ يُبادِرَ هو إلَى خدمتِها ولو لَم تطلب منه ذلك، ومِمَّا جَرَتْ عليه عادةُ الشبابِ اليومَ والشابـّاتِ الطلب من الأمِّ أن تُحضِّرَ لَهم الطعامَ أو تغسلَ لَهم ثيابَهُم ونَحوَ ذلكَ مِما هم يقدرونَ عليهِ وهذا يُعدُّ إساءةَ أدبٍ، فما أبعدَ حالَ هؤلاءِ عن حالِ عبادِ اللهِ الكاملين.

 

وقد قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدركَ أبويهِ أو أحدهُما شيخًا ولَم يدخل به الجنة )) معناهُ: من أدركَ والديهِ كبيرينِ في السنِّ أو أحدَهُما ولَم يُحصِّل رضاهُما بالخِدمَةِ ونِحوِ ذلكَ يكونُ فوَّتَ على نفسِهِ ثوابـًا عظيمًا، فحالُ الدنيا أن المرءَ سيموتُ فإما يُفارقُهُ والداهُ وإما يُفارقهما، فإن لم يبَرَّهما الآن متى يبُرُّهما، بعد الفراق ؟!

 

قال رسول الله: ((الوالدُ أوسطُ أبوابِ الجنةِ فإن شئتَ احفظْهُ وإن شئتَ ضيّعْهُ)) معناهُ: من لَم يُرضِ والدَيه ويبرَّهُما يكونُ ضيّعَ على نفسِهِ ذلك الثوابِ العظيمَ، وهو أن رضى الوالدِين المسلمين يوصلُ إلى الجنةِ من بابٍ في وَسَطِهَا.

      

وقد حصل لأحدِ الصوفيَّةِ الأولياءِ وهو بلالٌ الخوَّاص أنه كان يَمشي في تيهِ بنِي إسرائيلَ[3] قـال: فإذا برجلٍ يُماشيني[4]. قال: ( فقلت له: ماذا تقول في الشافعي؟ فقال: إنه من الأوتاد). قال: ( وماذا تقول في مالك[5] ؟ قال: إنه إمـام الأئمة ). قـال:  ( وماذا تقول في أحمد[6] ؟ قال: إنه صديق[7] ). قـال: ( وماذا تقول في بشرٍ الحافي[8] ؟ قال ذاك لَم يُخلف بعده مثلُهُ ). قال: ( فقلت له: أسألك بِحقِّ الحق من أنت ؟ قال: أنا الْخَضِر ). فقال له: (بأي شىءٍ رأيتُكَ ؟ قال ببرِّكَ لأمِّك ). معناه: الله أكرمَ بلالاً الخواص لأنه كان من الصالِحين وبارًّا بأمه أن جَمَعَهُ بالخَضِر عليه السلام، والخَضِرُ لا يَجتمعُ به عليه السلام يقظةً إلا الصالِحون. ا.هـ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


[1] – يعني يُصلح، يُقال خاصفُ النعل أي مصلحه.

[2] – العيدان وأيام التشريق.

[3] –  بنو إسرائيل وقفوا في تيه الحيرة، وتيه الحيرة بقعة صغيرة من الأرض صاروا يذهبون ويجيئون فيها لا يستطيعون الخروج منها مع أنها ليست مغلقة إنما هم لا يعرفون الخروج منها بسبب أنهم خالفوا موسى، هذه البقعة تسمى تيه بني إسرائيل. بني إسرائيل لما أمرهم موسى أن يأتوا معه لقتال بعض الكفار الجبابرة قالوا لـه : {                                           }فالله تتعالى ابتلاهم بالتيه، فجاء بعد ذلك جاء سيدنا يوشع بن نون فقاتل هؤلاء الكفرة وكسرهم.

[4] –  يعني هو فجأة وجد شخص يمشي معه.

[5] – أي  الإمام مالك بن أنس.

[6] – أي الإمام أحمد بن حنبل.

[7] – أي رئيس الأولياء كشأن أبي بكر.

[8] – هذا رجلٌ كان صوفي زاهد صالح كان ماشي في الطريق فوجد قطعة جلد عليها اسم الله ملقاة وعليها قذر فرفعها وأزال عنها القذر وغسلها ونظفها ثم اشترى بسدسي درهم طيب، وكان فقيرًا لم يكن معه إلا درهـمًا واحدًا فقط وطيبها فسمع هاتفًا – يعني صوت دون أن يرى شخص – يقول له: لقد طيب الله اسمك كما طيبت اسمَهُ. فصار من أكابر الأولياء، فإذا ذهب إلى مكان ليشتري شيئـًا وضع يده على البطيخة مثلاً الناس يأتون ويمسحون على موضع يده من شدة البركة.