عزو حديث جابر المكذوب للبيهقي فغير صحيح، وأما ‏نسبته لمصنف عبد الرزاق فلا وجود له في مصنفه ولا في تفسيره.

Arabic Text By Feb 26, 2017


ومن المفاسد التي انتشرت بين العوام ما درج عليه بعض قرّاء ‏المولد النبوي وبعض المؤذنين من قولهم إن محمدًا أول ‏المخلوقات، وهذا كلام باطل، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل المخلوقات ‏وليس أول المخلوقات.‏

وما ذاك إلا لنشر كلام ركيك يقال له حديث جابر وهو مكذوب لا اصل له ولا اسناد له وفيه “أول ما خلق الله نورُ ‏نبيك يا جابر، خلقه من نوره قبل الأشياء”، فهذا الحديث لا أصل ‏له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مخالف للكتاب والسنة‎.

أما مخالفته للكتاب فقد قال الله تعالى: “وجعلنا من الماء كل ‏شىء حي” [سورة الانبياء]، وقال تعالى: “قل إنما أنا بشرٌ مثلكم ‏يوحى إلي” [سورة الكهف]. ‏

وأما مخالفته للأحاديث الثابتة، فقد روى البخاري والبيهقي عن ‏عمران بن الحصين قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كان الله ولم ‏يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء‎”.‎‏ فدلّ الحديث على ‏أولية خلق الماء والعرش قبل سيدنا محمد بلا شك.‏‎

وروى ابن حبان من حديث أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله ‏إني إذا رأيتك طابت نفسي وقَرَّت عيني فأنبئني عن كل شىء، ‏قال: “كل شىء خُلِقَ من الماء”، وروى السُّدي في تفسيره ‏بأسانيد متعددة: “إن الله لم يخلق شيئًا مما خلق قبل الماء‎”.

ففي الحديث الأول نصّ على أن الماء والعرش هما أول خلق ‏الله، وأما أن الماء قبل العرش فهو مأخوذ من الحديثين التاليين‎.

وأما عزو حديث جابر المكذوب للبيهقي فغير صحيح، وأما ‏نسبته لمصنف عبد الرزاق فلا وجود له في مصنفه ولا في تفسيره. وقال الحافظ السيوطي في الحاوي عن ‏حديث جابر: “ليس له إسناد يُعتمد عليه” ا.هـ. وهو حديث ‏موضوع جزمًا‎.

ويشهد لصحة الحكم عليه بالوضع ركاكة ألفاظه فإن الرسول ‏أفصح خلق الله وأقواهم بلاغة فلا يتكلم بالركيك، وقد حكم المحدث الشيخ أحمد بن الصديق الغماري‎ ‎عليه بالوضع ‏محتجًّا بأن هذا الحديث ركيك ومعانيه منكرة. والأمر كما ‏قال، ولو لم يكن فيه إلا هذه العبارة “خلقه الله من نوره قبل ‏الأشياء” لكفى ذلك ركاكة، لأنها مشكلة غاية الإشكال، لأنه إن ‏حُمِل ضمير من نوره على معنى نور مخلوق لله كان ذلك ‏نقيض ما يدعونه، لأنه على هذا الوجه يكون ذلك النور هو الأول ‏وليس نور محمد، فيكون على زعمهم نور محمد ثاني المخلوقات وليس أولها. وإن حُمل على ‏إضافة الجزء للكل كان الأمر أفظع وأقبح لأنه يكون إثبات نور ‏هو جزء لله تعالى، فيؤدي ذلك إلى القول بأن الله مركب، والقول ‏بالتركيب في ذات الله من أبشع الكفر لأن فيه نسبة الحدوث ‏إلى الله تعالى. وبعد هذه الجملة من هذا الحديث المكذوب هناك ‏ركاكات بشعة يردّها الذوق السليم ولا يقبلها‎.

ثم هناك علة أخرى وهي الاضطراب في ألفاظه لأن بعض ‏الذين أوردوه في مؤلفاتهم رووه بشكل، وآخرون رووه بشكل ‏آخر مختلف في المعنى، ومن ذكروه لم يذكروا له اي اسناد‎.

أما حديث: “كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث” ‏فهو ضعيف كما نقل ذلك المحدثون وفيه بقية بن الوليد وهو ‏مدلس، وسعيد بن بشير وهو ضعيف‎.

وليعلم انه لا حاجة شرعاً لتأويل الآية أو الحديث الصحيح لخبر ‏موضوع لا أصل له.‏