جواز التوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم – إجماع الأئمة الأربعة

Arabic Text By Aug 27, 2010

جواز التوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم – إجماع الأئمة الأربعة

اللهم أهدني لأحسن الأقوال والأفعال لايهدي لأحسنها الا أنت وأصرف عني سيئها لايصرف عني سيئها الا أنت

لبِستُ ثوب الرَّجا والناس قد رقدوا *** وَقمِتُّ أشكوا إلى مولاي ما أجـدُ
وقُلتُ يا أمَلـي فـي كـلِّ نائبـة *** ومَن عليه لكشف الضُّـرِّ أعتمد
أشكو إليك أمـوراً أنـت تعلمهـا *** ما لي على حملها صبرٌ ولا جلـدُ
وقد مدَدْتُ يدِي بالـذُّلِّ مبتهـلاً *** أليك يا خير من مُـدَّتْ أليـه يـدُ
فـلا ترُدَّنهـا يـا ربِّ خائـبـةً *** فبَحْرُ جودِكَ يروي كل مـنْ يَـرِد

جواز التوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم

قد يغتنم زائر النبي صلى الله عليه وسلم الفرصة ويتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو على بعد خطوات منه عليه الصلاة والسلام، وقد يواجه المتوسل بمن يمنع هذا التوسل أو يصفه بالشرك من عند نفسه بلا دليل ولا برهان، لذلك فقد وجدنا لزيادة الفائدة أن نبين في هذا الموضوع جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته، وأنه ليس شركاً ولا حراماً ولا بدعة.
إعلم أخي المسلم أنه لا دليل حقيقي يدل على عدم جواز التوسل بالأنبياء في حال الغيبة أو بعد وفاتهم بدعوى أن ذلك عبادة لغير اللّه، لأنه ليس عبادة لغير اللّه مجرد النداء لحي أو ميت، ولا مجرد الاستغاثة بغير اللّه، ولا مجرد قصد قبر نبي للتبرك، ولا مجرد طلب ما لم تجر به العادة بين الناس، ولا مجرد صيغة الاستعانة بغير اللّه تعالى.
تعريف العبادة :
فهذه الأمور لا ينطبق عليها تعريف العبادة عند اللغويين، لأن العبادة عندهم: “الطاعة مع الخضوع”، قال الأزهري الذي هو أحد كبار اللغويين نقلاً عن الزجاج الذي هو من أشهرهم:
“العبادة في لغة العرب الطاعة مع الخضوع”، وقال مثله الفراء، وقال بعضهم: “العبادة أقصى غاية الخشوع والخضوع”، وقال بعضٌ: “نهاية التذلل”.
فكيف يقول بعض من لا حظّ له من العلم إن الذي يتوسّل بالنبي صلى الله عليه وسلم صار مُشركاً لأنه عبد غير الله!، وقد بيّنا أن العبادة هي غاية الخضوع والخشوع، ولا نعتقد بأحد مِنَ المسلمين الذين يتوسّلون بالنبيّ صلى الله عليه وسلم أنهم يعبدونه أو يعتقدون أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يضر وينفع على الحقيقة، بل الذي نعتقده فيهم أنهم يدينون لله بأنه هو الضّار والنافع على الحقيقة وإنما يتوسّلون بالنبي صلى الله عليه وسلم لمقامه عند الله عز وجل، وهذا هو الذي فهمه الصحابة والسلف الصالح من التوسل لذلك كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأخذ علماء الخلف منهم جواز التوسّل .
فالذي يدعو الله بجاه محمد فهذا القول جائز ليس شركاً، فلا تلتفت أخي المسلم لمن يرمون الناس بالشرك لأنهم يدعون الله بجاه محمد، وإليك الأدلة على ما نقول:
الدليل على جواز التوسل:
والدليل على جواز التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام ما رواه الطبراني في معجميه الكبير والصغير عن الصحابي عثمان بن حُنيف:
حديث الأعمى :
أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمانَ بن حنيف، فشكى إليه ذلك، فقال: “ائت الميضأة فتوضأ ثم صلّ ركعتين ثم قل: اللّهم إني أسألك وأتوجّه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى لي، ثم رُحْ حتى أروح معك”.
فانطلق الرجل ففعل ما قال ثم أتى باب عثمان، فجاء البواب فأخذه بيده فأدخله على عثمان بن عفان، فأجلسه على طنفسته فقال: “ما حاجتك؟”، فذكر له حاجته، فقضى له حاجته، وقال: “ما ذكرتُ حاجتَك حتى كانت هذه الساعة”، ثم خرج من عنده فلقي عثمانَ بن حُنيف فقال: “جزاك اللّه خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلمته فيّ”، فقال عثمان بن حُنيف: “واللّه ما كلمته ولكن شهدت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد أتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال صلى اللّه عليه وسلم: “إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك، قال: يا رسول اللّه إنه شق علي ذهاب بصري وإنه ليس لي قائد، فقال له: ائت الميضأة فتوضأ وصلّ ركعتين ثم قل هؤلاء الكلمات” ففعل الرجل ما قال، فواللّه ما تفرقنا ولا طال بنا المجلس حتى دخل علينا الرجل وقد أبصر كأنه لم يكن به ضر قط”.
الطبراني يصحح حديث الأعمى :
قال الطبراني: “والحديث صحيح”، ففيه دليل على أن الأعمى توسّل بالنبي صلى اللّه عليه وسلم في غير حضرته، بل ذهب إلى الميضأة فتوضأ وصلى ودعا باللفظ الذي علّمه رسول اللّه، ثم دخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم والنبي لم يفارق مجلسه لقول راوي الحديث عثمان بن حُنيف: فواللّه ما تفرقنا ولا طال بنا المجلس حتى دخل علينا وقد أبصر .
جواز قول يا محمد
وأما الدليل على جواز قول يا محمد مع الاعتقاد أنه لا ضار ولا نافع على الحقيقة إلا اللّه فهو ما رواه الإمام البخاري في كتابه الأدب المفرد تحت باب: ما يقول الرجل إذا خدرت رجله، قال : ” خدِرت رجل ابن عمر فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك، فقال: يا محمد “.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ان الله لا ينتزع العلم انتزاعا من صدور الناس, ولكنه ينتزع العلم بقبض العلماء, حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس روؤساً جهالاً فسئلوا , فأفتوا بغير علم . فضًلواواضلوا)
 
المذاهب الأربعة تقر بمشروعية التوسل

وإليك أخي المسلم أقول العلماء من المذاهب الأربعة الدّالة على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه ليس شركاً:
جواز التوسل بالنبي من أقوال العلماء:

المذهب الحنفي:
 
قال الشيخ نظام الحنفي في الفتاوى الهندية (ج1/266) من كتاب المناسك:
باب: خاتمة في زيارة قبر النبي صلى اللّه عليه وسلم، بعد أن ذكر كيفية وءاداب زيارة قبر الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ذكر الأدعية التي يقولها الزائر فقال: “ثم يقف (أي الزائر) عند رأسه صلى اللّه عليه وسلم كالأوّل ويقول: اللَّهمّ إتك قلت وقولك الحق: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ..} (النساء/64)، الآية، وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك، مستشفعين بنبيك إليك”.

المذهب المالكي:

قال الشيخ ابن الحاج المالكي المعروف بإنكاره للبدع في كتابه المدخل (ج1/259-260) ما نصه: “فالتوسل به عليه الصلاة والسلام هو محل حطّ أحمال الأوزار وأثقال الذنوب والخطايا، لأن بركة شفاعته عليه الصلاة والسلام وعظمها عند ربه لا يتعاظمها ذنب، إذ أنها أعظم من الجميع، فليستبشر من زاره ويلجأ إلى اللّه تعالى بشفاعة نبيه عليه الصلاة والسلام مَن لم يزره، اللهم لا تحرمنا شفاعته بحرمته عندك ءامين يا رب العالمين، ومن اعتقد خلاف هذا فهو المحروم”.

المذهب الشافعي:

قال الإمام النووي الشافعي في المجموع (ج8/274) من كتاب صفة الحج، باب زيارة قبر الرسول صلى اللّه عليه وسلم: “ثم يرجع إلى موقفه الأوّل قُبالة وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه”.

المذهب الحنبلي:

صاحب المذهب أحمد بن حنبل أجاز التوسل كما نقل عنه الإمام المرداوي الحنبلي في الإنصاف (ج2/456) من كتاب صلاة الاستسقاء: “ومنها (أي من الفوائد)يجوز التوسل بالرجل الصالح، على الصحيح من المذهب، وقيل : يُستحب، قال الإمام أحمد للمروذي: يَتَوسل بالنبي صلى اللّه عليه وسلم في دعائه، وجزم به في المستوعب وغيره”.

هذه أربعة نقول من المذاهب الأربعة فيها جواز التوسل بالنبي صلى اللّه عليه وسلم تُبيّن أن المذاهب الأربعة في مسألة التوسل يدٌ واحدة كمسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فاقتدِ أخي المسلم بهؤلاء العلماء الذين قدوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تُضيّع على نفسك ثواب التوسل بالحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام.
وننصحك أن لا تلتفت إلى من يرمون الناس بالشرك لأنهم توسّلوا بالنبي، فهؤلاء كأنهم يرمون الصحابي عبد الله بن عمر والإمام أحمد بن حنبل والإمام النووي وغيرهم بالشرك، فكُن مع من ذكرنا من العلماء فإنهم ورثة الأنبياء، ودعك ممن شذ، والله أعلم وأحكم