كبار خبراء وكالة الفضاءالأميركية هلال رمضان فوق حسابات البشـر

Arabic Text By Aug 11, 2010

كبار خبراء وكالة الفضاءالأميركية هلال رمضان فوق حسابات البشـر

“NASA”: 
 

مرة جديدة يعود العلم ليؤكد أنه لا سبيل إلى معرفة أول وقت تمكن فيه رؤية الهلال بعد ولادته إلا بالمشاهدة البصرية، وبذلك جاء حديث البخاري ومسلم “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته” أي الهلال، وأهمية هذه المسألة أنه يترتب عليها معرفة دخول وقت الصوم ليؤدّي أكثر من مليار مسلم إحدى أهم العبادات الدينية سنوياً، ومن أجل ذلك يأخذ هذا النقاش حيزاً كبيراً ليتجدّد مع كلّ رمضان.

وقد قدّمت هذا الرأي في مقالتي في عدد 7 تشرين الاول الماضي من “النهار”، وسواء أخذنا بقول الإمام أبي حنيفة (150هـ.) في لزوم لصيام المسلمين قاطبة في شرق الأرض وغربها برؤية بعضهم، أو أخذنا بقول الإمام الشافعي (204هـ.) بصيام كلّ قطر حسب رؤيته إن شهد ولو ثقة واحد برؤية الهلال غروب اليوم التاسع والعشرين من شعبان، فإن عدم ثبوت رمضان إلا برؤية الهلال أو باستكمال شعبان ثلاثين يوماً ليس رأي أهل السنة والجماعة بمذاهبهم الأربعة المعتمدة فحسب، بل هو رأي المرجعيات الشيعية الكبرى في النجف وقم، وهو محلّ اتفاق عند الإمامية كما سوف يأتي.
وبعد هذا البيان، ليس غريباً في زمن الهيمنة الأميركية التي يفرضها المحافظون الجدد بزعم أنهم “الوكلاء الحصريون” للحق والفضيلة نيابة عن السيد المسيح عليه الصلاة والسلام، وتقسيم الرئيس الأميركي جورج بوش العالم إلى أبيض وأسود لا رمادي بينهما فـ”إما ان تكون معنا، وإلا فأنت ضدنا”، يقابله من الطرف الآخر متناغماً معه ابن لادن بعسكره وخيله وخيلائه مقسـماً العالم إلى فسطاطين، “فسطاط الخير وفسطاط الشر”، ليس غريباً والحال كذلك أن يطالعنا الأستاذ شريم بمقالة على هذا النسق، كنت أتمنى لو كان فيها أدلة علمية من غير التعريض بالهمز واللـمـز وقد نهانا عنهما القرآن، مع أني في مقالتي التي أشار إليها خصوص اختلاف المراصد الأميركية والإنكليزية في أول رمضان لهذا العام، لم أعرّج على أيّ كان، ومقالتي على صغر حجمها كما ذكر الأستاذ شريم فإنها كبرت بنشرها في صحيفة “النهار” التي أعتز جداً بأنها أفردت لي نحو نصف صفحة من “قضايا النهار” التي تتناول أكثر ما يهمّ المثـقـفـيـن ليس على الصعيد اللبناني والعربي فحسب بل على صعيد العالم أيضاً.
وهكذا وعلى طريقة بوش وابن لادن، يمتدّ مبضع الأستاذ شريم ليقسم المسلمين هذه المرة إلى فئتين لا ثالث لهما، أولاهما “السلف المتحجّرون الجامدون الغائبون عن واقع الزمان والمكان”  وثانيهما “مدرسة الاجتهاد الفعلي” التي لا تكتفي بتجاوز ظواهر النصوص لتتجاوز روحها كذلك حسب تعبيره، ولا أدري ماذا يبقى من الإسلام بعد تجاوز نصوصه ظاهراً وروحاً.
وكذلك لم  أستغرب أن يكون للموضوع الذي أثرته خصوص اختلاف المراصد الأميركية والانكليزية في حساب أول يوم من رمضان الحالي، غبار كثير بسبب الاختلاف المنهجي بين مدارس فكرية متباينة منها المدرسة الحوارية العلمية الأكاديمية التي تربّـيـت عليها، وأخرى يمثـلها الأستاذ شريم بالوكالة، جاهزة لترمي الحرم على من خالفها بطريقة تستحضر المشهد الزرقاوي الذي أخرج الخلاف في الرأي والرأي المقابل إلى سفك دماء الأبرياء باسم السلف الذين كانوا يمثلون فترة ذهبية هي السنوات الثلاثمئة الأولى من هجرة الرسول فحسب، فمن حيث الاصطلاح لا سلف اليوم يا أستاذ شريم، وكان يشرفني لو كنت منهم.
وعلى حين أرى في مقالة الأستاذ شريم مسائل “كبروية” فـ”صغروية” فـ”ممتدة” فـ”بسيطة” وكلها فوق مستوى عوامّ الناس “لأننا أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم” حسب المقال على ضعفه حديثاً كما في مقاصد الحافظ السخاوي (902هـ.)، فإني لا أدري لماذا يصرّ البعض وباسم الدين على استصغار حلوم العقلاء وكأنهم احتكروا الفهم وما علينا سوى السمع والطاعة لأن الفكر وحسب المقال عينه “ما جاء ليهادن… ولكن جاء ليلحق الناس بركابه”، وقد فات الكاتب أننا في زمن صار يصعب فيه “الإلحاق”، فالمسلم لم يعد يرضى أن يكون مجرد لاهث وراء فلان أو فلان من غير بـيّنة، فلم يعد ينفع والحال كذلك من انفتاح أولادنا على أمور الدين والدنيا، استعمال عبارات الإملاء الفوقية والاستعلائية، بل المطلوب تبسيط أمور الدين للناس ولا سيما أنه لا طبقة إكليركية في الإسلام تحتكر المرجعية، هذا لمن ثبتت مرجعيته أصلاً، ولا أعني مذهباً إسلامياً دون غيره، وقصة مالك بن أنس (179هـ.) حين زاره المنصور العباسي في المدينة المنورة مشهورة حين أراد المنصور أن يحمل الناس على موطأ مالك فرفض رضي الله عنه وقال للمنصور لا تفعل.
والموضوع هلال رمضان، إلا أني لم أرَ من أول مقال الأستاذ شريم إلى آخره معتمده ولا مرجعيته في كيفية ثبوت الشهر الكريم، فهل هو خروج القمر من محاقه؟ أم هو ارتفاعه عن الأفق ناحية المغرب وفق نظرية الإنكليزي يالوب أو الماليزي الياس أم أنه اختار نظرية غيرهما وهم كثر؟ وبأيّ دليل قطعي من كتاب أو سنة أو كلام أهل البيت الكرام جزم بصحة نظرية هذا دون ذاك؟ فمنهم من يحكم بجواز الرؤية بخمس درجات ومنهم من قال بثماني ومنهم من زاد ومنهم من أنقص، فبرأي مَن منهم نأخذ، وآراؤهم جميعاً مبنية على التجربة والاستقراء في مئات المشاهدات التي كلها ترجع إلى خبر الشخص الواحد الذي قد يكون ثقة عارفاً وقد لا يكون، لا إلى حساب ولا إلى يقين كما قد يظن من لا خبرة له، وكلّ تلك النظريات تتغير بين الفترة والأخرى لما يطرأ عليها من ملاحظات ومستجدات كما هو شأن كثير من النظريات العلمية.
أما النماذج التي قدّمها الأستاذ شريم وكان أولها السبكي من الشافعية (756هـ.) فإن كلامه الذي نقلته حجة عليك لا لك لأنه يدلّ وبكلّ وضوح على الأخذ بالرؤية شرط أن لا يعارضها الحساب، ثمّ لم لا تأخذ يا أستاذ شريم بقول السبكي نفسه في حجية الإجماع المبنيّ على اتفاق أهل الحلّ والعقد من المجتهدين المعتبرين، لا العوامّ ولا مجرّد أيّ عالم ممن لا عبرة بخلافهم ولا بوفاقهم كما ذكر السبكي نفسه في شرح منهاج البيضاوي (685هـ.)؟
أما اضطرارك إلى الاسـتـشهاد بالحدثاء كالقرضاوي وقد خلا وفاضك من المجتهدين المعتبرين، فهل تعرف يا أستاذ شريم رأي القرضاوي بالشيعة من زوار العتبات والمشاهد المباركة كمشهد الإمام موسى الكاظم رضي الله عنه في بغداد؟ وهل توافقه في أن التبرك بآثار الصالحين وقبورهم من أهل الدوحة النبوية الكريمة فمن سواهم “من أوسع أبواب الشرك بالله تعالى” كما في كتابه المسمى “العبادة في الإسلام” ص 142 طبع “مؤسسة الرسالة”؟ وهل تأخذ بقوله في ذلك كما تأخذ بقوله في دخول رمضان بالحساب، وكلامه يؤول إلى استحلال دماء المسلمين من زوار العتبات الكريمة وهو ما نراه يومياً من غير كثير نكير من القرضاوي وأمثاله لاعتقادهم كفر من يفعلون ذلك سواء من المسلمين السنة أو الشيعة، فماذا تقول في القرضاوي إذن؟
أما استشهادك بأحمد شاكر فأكتفي بأن أقول للاستاذ شريم  إن ما ذكرته في مقالتك من أنه كان شيخاً للأزهر، بعيد من الصحة ولعله خطأ غير مقصود، ولكن أباه الشيخ محمد شاكر عيّن وكيلاً لمشيخة الأزهر عام 1909 وكان يسفه الأخذ بالحساب في دخول رمضان. وأما أحمد المذكور في مقال شريم فقد كان على طريقة محمد حامد الفقي وأشباهه من الذين لو سألت أهل المعرفة لعرفت أنهم ومعهم أحمد شاكر الذي تعتدّ به، من جماعة “أنصار السنة” الذين نشروا أفكار ابن تيمية (728هـ.) الذي تعرف مرجعيتك حفظها الله ما هو رأيه في “الروافض” وما هو دوره في الغزوات الكسروانية الثلاث التي اضطر معها الشيعة إلى ترك جبال كسروان والتفرق في أصقاع الأرض هرباً من فتاوى ابن تيمية التي لا تزال تلاحقهم، وإن لم تصدقني فاسأل الزرقاوي، ومثل ذلك ينسحب على القرضاوي إن كنت مصراً على الاستشهاد به وبأحمد شاكر.
أما بالنسبة لمشايخ الشيعة ومرجعياتهم فلا أظنك وقد أنكرت حجية الإجماع على طريقة أهل السنة، تنكر إجماع أهل العترة النبوية الشريفة رضي الله عنهم، الذين تواترت عنهم الروايات التي فسرتها كلّ المرجعيات الكبرى للشيعة كالمجلسي والحلي والطهراني والمرجع محمد باقر الصدر الذي نص في الفتاوى الواضحة على أنه “لا وزن للرؤية المجهرية والأدوات والوسائل العلمية المكبرة، وإنما المقياس إمكان الرؤية بالعين الاعتيادية المجرّدة”، ونص أبي القاسم الموسوي الخوئي في كتاب المسائل “لا أثر للاطمئنان بتولد الهلال بل ولا الاطمئنان بقابليته للرؤية، بل لا بدّ من الرؤية خارجاً وثبوتها للمكلف”، وهذا الامر متفق عليه عند المرجعيات الشيعية سواء في النجف كالسيستاني الذي نص على ذلك في كتابه “المسائل المنتخبة” وبذلك أخبرني وكيلاه الشيخ حامد الخفاف والشيخ أحمد الخراساني الذي أكد لي أن اعتماد الحساب في إثبات رمضان “قول شاذ وخرق لإجماع الإمامية”، ومثل ذلك قال الشيخ ميرزا جواد التبريزي من كبار مرجعيات قم في إيران الذي نشر رداً شديداً على بعض المرجعيات اللبنانية على صفحات الجرائد منها جريدة “الوطن” الكويتية بتاريخ 26/11/2001 حيث اعتبر القول بإثبات رمضان بناء على الحساب “مخالفاً لروايات أهل البيت وخرقاً لإجماع الإمامية”، ما استدعى رداً من تلك المرجعية تذكر في آخره أنها أثبتت يوم الجمعة أول رمضان 1422 هـ. بالاستناد إلى “شهادات أهل الخبرة من المسلمين وغيرهم بإمكانية رؤية الهلال يوم الجمعة”، وهذا عجيب لأن الحديث صار عندهم “صوموا إذا أمكنت رؤيته وأفطروا إذا أمكنت رؤيته”، وأين هذا من “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته” الحديث المتفق عليه بين كبار المرجعيات المعتمدة لدى كل من السنة والشيعة، فأيّ أثر للخلاف بعد اتفاق الطرفين؟.
وقد عجبت يا أستاذ شريم لإقحامك اسم دار الفتوى التي هي أبعد ما تكون عن الأخذ بالحساب وقد أصرّت على الأخذ بشهادة من رأى هلال رمضان هذه السنة من غير التفات إلى قول بعضهم إنه لا يمكن حساباً رؤية الهلال مغرب الاثنين 3 تشرين الأول لدقته وقربه من الشمس. ومع علمك بأن كلا من الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني والشيخ عبد الامير قبلان يأخذان بالرؤية دون حساب ومعهما جمهور المسلمين سنّة وشيعة، فهل ترى بعد ذلك لطيفاً منك وصف كل من خالف رأيك بمستند شرعي وعلمي “جامد ومتحجر” كما ذكرت في مقالك؟!
ثم رأيتك يا أستاذ شريم تنكر عليّ عدم الاختصاص ولم تظهر اختصاصك، فأما علم الدين فهو اختصاصي تشهد لي بذلك درجتي العلمية وإجازاتي على طريقة القدماء من كبار علماء العصر أمثال مسند المغرب المحدث عبدالله بن الصديق الغماري المغربي (ت1993) ومسند مكة الشيخ ياسين الفاداني المكي (ت1990) رحمهما الله وغيرهما.
وأما في الفلك فقد رجعت في مقالتي الاولى إلى أهل الخبرة والاختصاص من كبار أهل هذا العلم من أكبر الجامعات والمراصد العالمية الذين راسلتهم كما بيّـنت سابقاً، وكان يكفيك لو خطر ببالك أن تسأل أهل الاختصاص في جامعتي هارفرد وبرنستون أو مرصد جامعة لندن أو غيرها من مراكز الأرصاد العالمية التي اتفقت جميعها على أنه لا يمكن حساب أول وقت يُرى فيه الهلال بعد ولادته.
ولزيادة في التأكيد راسلت مجدّداً عدداً من المتخصصين من المسلمين العرب والأجانب ناقلاً لك ولغيرك النص الذي أثبته وأقرّه عميد كلية علوم الفلك في جامعة أوهايو الدكتور باتريك أوسمر الحائز على الدكتوراه منذ سنة 1970 وهو من كبار خبراء وكالة الفضاء الاميركية الـ”NASA”، ومعه الدكتور ستيف ملما المتخصص في الفيزياء النووية من جامعة أوهايو عام 1983، مؤكدين أن نظريات الياس ويالوب وغيرهما في حساب وقت ظهور الهلال مبنية على التجارب الإحصائية المتكرّرة وهي تخضع دورياً لإعادة النظر والتحسين وأن الشك ملازم دوماً لتلك النظريات، والنص بالإنكليزية: 

 The time that the Moon first becomes visible after the New Moon depends on many factors and cannot be predicted with certainty. The various criteria (Yallop, Ilyas, etc.) are in fact simply created by doing a statistical analysis of verified early moonsightings and nonsightings. These criteria (like much of science) are constantly being refined and improved. There will always be some doubt as to the when the moon first becomes visible

وهذا ما أكده لي كذلك مدير مرصد جامعة لندن الدكتور مايكل درتسكي، ومديرة مرصد باريس الدكتورة فرنسواز كومب، ومدير مرصد قمة ستروملو ورئيس مركز أبحاث الفلك في جامعة أوستراليا الوطنية الدكتور بول فرنسيس، ومن الولايات المتحدة الأميركية:
مدير مرصد غريفيث في كاليفورنيا الدكتور جون موسلي، والأستاذ المتخصص في علوم الفلك في جامعة كورنيل الدكتور مارك كرسو، وقد أرسلت إليهم جميعاً بل وإلى غيرهم لم أذكرهم خشية التطويل، النصّ  أعلاه فأرسلوا جميعاً لي أن هذه الإجابة “دقيقة جداً”، وليس أقلّ منهم الأستاذ الدكتور زكي المصطفى الباحث الأكاديمي في مدينة الملك عبدالعزيز للتكنولوجيا في المملكة العربية السعودية والحائز على الدكتوراه من جامعة مانشستر في بريطانيا الذي أكد لي “مع الأسف” حسب تعبيره، أن “الذين ينادون باستخدام الحساب ونفي الرؤية هـــــم من الهـــــواة ممن ليسوا من أهل التخصص العلمي”، مضيفاً أن “طرق شوكت ومنذر والياس ويالوب غير صائبة”.
وختاماً فإني قد وجدت في مقالة الأستاذ شريم كلمة تجمع بيننا: “ليهتمّ كلّ إنسان باختصاصه، وليرجع إلى أهل الخبرة في ما لا خبرة له فيه”، وفي كتاب الله تعالى: “كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون” (الصف3).
والخلاصة يا أستاذ شريم أن رمضان فوق حسابات المراصد والآلات والمرجعيات، ولا يمكن لأيّ حاسب أو حاسوب أن يعرف متى يهلّ على الناس هلال رمضان الكريم، ونداء من منبر “النهار” لكي تؤدّي مرجعيات المسلمين دوراً جامعاً بعيداً عن غلواء التطرف وتصنيف الناس على طريقة بوش وابن لادن؛
إرحموا الناس يرحمكم الله.