”خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” *العفو عن الأخ المسىء **

Miscellaneous By Aug 24, 2010

وصلى الله على طه الأمين
وبعد

”خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” *العفو عن الأخ المسىء **
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وعظيمنا
وقرّة أعيننا أحمد بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا
وداعيًا إلى الله بإذنه سراجًا وهاجًا وقمرًا منيرًا،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله
صلى الله عليه وعلى كل رسول أرسله.

اعلم أخي المسلم أنّ الله عزّ وجلّ قال في كتابه العزيز:
”خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”
ففي هذه الآية الكريمة يرشدنا الله تعالى إلى أحسن الأخلاق
التي حضّنا على الالتزام بها لنرقى إلى الدرجات العالية عند ربّنا تبارك وتعالى،
فذكر ثلاثة أمور من خلق الصالحين:

فالأمر الأوّل
هو قوله تعالى: ”خُذِ الْعَفْوَ” فإنّ هذا ممّا جمّل الله به
نبيّه محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم فقد قالت عائشة رضي الله عنها
في وصف النّبيّ عليه الصلاة والسّلام:
“وَلا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ”،

 

وقد رُوِيَ عن زين العابدين عليّ بن الحسين رضي الله عنهما
أنّه مرّة كان عنده ضيوف فطلب من خادمه أن يأتيه مسرعًا
بالمشوي من اللحم الذي كان على النّار،
فأقبل الخادم مسرعًا وسقطت الحديدة التي يشوي عليها اللحم
من يده على ابن صغير من أبناء الإمام زين العابدين فأصابت رأسه فقتلته،
فلمّا رأى الإمام ذلك قال الخادم له:
قال عزّ وجلّ: ”وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ”
فقال الإمام: كَظَمْتُ غَيْظِي فقال الخادم
وقال تعالى: ”وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس”
قال: عَفَوْتُ عَنْكَ فقال الخادم:
وقال تعالى: ”واللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”
فقال الإمام: “أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى”،
فهذه الخصال التي تخلّق بها الصّالحون إنّما خصّهم الله بها بالتزامهم
الآداب الإسلامية التي أرشدنا الله إليها في القرءان الكريم
ونصح النبيّ صلى الله عليه وسلّم حيث قال:
“مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللهُ سُبْحَانَهُ
عَلَى رُؤُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الْحُورِ مَا شَاءَ”،
وقد قال عزّ وجل فيمن تحلى بهذه الخصال:
”وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ”.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحسن النّاس أخلاقًا
فقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
لما دعا قومه وتعرّضوا له بالأذى جاءه جبريل ومعه ملَك الجبال
فناداه فقال: “إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ،
وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ،
وقال ملَك الجبال: إِنْ شِئْتَ أَطْبَقْتُ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ”،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“بَلْ أَرْجُو أَن يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا”.
هذا ما دعانا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصبر على المكاره
وعلى أذى النّاس والدعوة إلى الله تعالى بالرفق والأناة والإحسان
إلى من أحسن إلينا وإلى من أساء،
فإنّ هذا من خلق الرسول عليه الصلاة والسلام.

أمّا الأمر الثاني
ممّا حضّنا الشرع عليه فهو قوله تعالى: ”وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ”
فقد جعل الله الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر من أعظم أمور الإسلام
التي بها حياة الدّين وبها يكون صلاح المجتمعات وفلاحهم،
وقد قال عزّ وجل:
”كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ”
فمن تعلّم ما أوجب الله عليه من أمور الدّين بالاستماع إلى أهل العلم الثقات
وحضور مجالس العلم فبلّغ ذلك أهله وأقاربه ومن استطاع من غيره
بنيّة خالصة لوجه الله تعالى هذا يرفعه الله تبارك وتعالى درجات عالية
فقد قال عليه الصّلاة والسّلام:
“مَنْ أَحْيَا سُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي فَمَاتَ كَانَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ”
والمقصود بإحياء سنّة النّبيّ صلى الله عليه وسلّم تعليم النّاس الحقّ
في حين انتشار الجهل والفساد بينهم وأداء النصح لهم
خوفًا عليهم من عواقب سوء العمل والحال.

 

أمّا الأمر الثالث
فهو قوله تعالى: ”وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”
فإن من صفة المؤمن الكامل أنه إذا جُهِلَ عليه لا يخرج عن حلمه
بل يصبر على ما ابتلي به ويحفظ لسانه من السفاهة والكلام البذيء،
ولا يتكلّم إلا بما يرى فيه مصلحةً ظاهرة،
وقد قال عزّ وجل في مدح أهل الخصال الحميدة بقوله:
”وَعِبَادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا
وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا”،
وقد قال عليه الصلاة والسّلام:
“لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ”؛
وليس المقصود بالإعراض عن الجاهلين السكوت عن جهلهم وظلمهم
للناس وإفسادهم ولكن المقصود بذلك أداء النصح لهم بالحكمة والرفق والإحسان
إلى من أحسن وإلى من أساء فإن ذلك من حسن خلق المؤمن؛
وقد رُوي عن زين العابدين أنه كان يومًا مع أصحابه في المسجد
فجاءه رجل سفيه وصار يفتري عليه أمام أصحابه،
والإمام رضي الله عنه ساكت، فلمًا انصرف هذا الرجل السفيه من عنده
جاءه الإمام رضي الله عنه ليلاً إلى منزله فقرع الباب،
فخرج إليه ذلك الرجل، فقال له سيّدنا زين العابدين:
“يَا أَخِي إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِيمَا قُلْتَ فَغَفَرَ اللهُ لِي،
وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَغَفَرَ اللهُ لَكَ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ”…
وانصرف الإمام من عنده فاتّبعه هذا الرجل من خلفه وصار يبكي
حتى رثى له ثمّ قال:
“لا جَرَمَ لا عُدْتُ فِي أَمْرٍ تَكْرَهُهُ”،
فقال له الإمام رضي الله عنه:
“وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا قُلْتَ لِي”،
وسامحه