وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ

Arabic Text By Aug 16, 2010

 وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ

عهد الله

والعمل الصالح مع الإيمان

 

الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرِّ الرحيم والملائكة الْمُقرَّبين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيبِ رب العالمين وعلى جميع إخوانه

من النبيين والمرسلين وءال كُلٍّ والصالحين

وسلامُ الله عليهم أجمعين

 

يقولُ الله تبارك تعالى: ﴿وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {94} وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {95} مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {96} مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {97}[1].

 

إنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى كرَّرَ نَهيَ عِبَادِهِ عنِ اتّخَاذِ الأيْمانِ دَخَلاً بينهُم تأكيدًا عليهِم وإظهَارًا لعِظَمِهِ، أي لا تعقدوا الأيْمَان بالانطِوَاءِ على الخديعَةِ والفسَادِ، كرَّرَ النّهيَ عن اتّخاذِ الأيْمانِ مُبالَغةً في النَّهيِ عنه لعِظَمِ موقعِهِ في الدّين وتردُّدِهِ في معاملاتِ الناس، ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ أي فتَزِلَّ أقدامُكُم عن مَحجّةِ الإسلامِ بعدَ ثبوتِها عليها، وإنَّما وُحِّدت القدَمُ ونكّرَت لاستعظامِ أن تَزِلَّ قدَمٌ واحِدَةٌ عن طريقِ الحقِّ بعدَ أنْ تَثبُتَ عليه فكيفَ بأقدامٍ كثيرة، ﴿وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ﴾ في الدُّنيا ﴿بِمَا صَدَدتُّمْ﴾ بصُدودِكُم ﴿عَن سَبِيلِ اللهِ﴾ وخروجِكُم عنِ الدّين، أو بصَدِّكُم غيرَكُم لأنهم لو نقضوا أيْمانَ البيعَةِ وارتَدّوا لاتخذوا نقضَها سُنَّةً لغيرِهِم يستنّونَ بها ﴿وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أي في الآخرة.

 

وإنَّ اللهَ سبحانَهُ نهى عبادَهُ أن يستَبدِلوا ﴿بِعَهْدِ اللهِ﴾ وبيعَةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ﴿ثَمَنًا قَلِيلاً﴾ أي عرَضًا مِنَ الدُّنيا يسيرًا، كأنَّ قومًا مِمَّن أسلَمَ بِمكّة زَيَّنَ لَهُم الشَّيطانَ لِجزَعِهِم مِمّا رأَوا مِنْ غلَبَةِ قريش واستِضْعَافِهمُ المسلمين، ولَمّا كانوا يَعِدُونَهُم إن رَجَعُوا مِنَ المواعيدِ أن ينقضوا ما بايعوا عليهِ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فثبَّتهُمُ الله ﴿إِنَّمَا عِندَ اللهِ﴾ مِنْ ثوابِ الآخرة ﴿هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

 

﴿مَا عِندَكُمْ﴾ مِنْ أعراضِ الدُّنيا ﴿يَنفَدُ﴾، ﴿وَمَا عِندَ اللهِ﴾ أي مِنْ خزائنِ رحمَتِهِ ﴿بَاقٍ﴾ لا ينفَد ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ﴾ على أذَى المشركين ومشَاقِّ الإسلام ﴿أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.

 

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ وشَرَطَ الإيمانَ لأنَّ أعمَالَ الكُفَّارِ غيرُ مُعتَدٍّ بها ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ أي في الدُّنيا لقولِهِ: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ وعَدَهُ اللهُ ثوابَ الدُّنيا والآخرة كقولِه: ﴿فآتاهُم اللهُ ثوابَ الدُّنيا وحُسْنَ ثوابَ الآخِرة[2] وذلكَ أنَّ المؤمِنَ معَ العمَلِ الصَّالِحِ موسِرًا كانَ أو مُعسِرًا يعيشُ عَيشًا طيبًا، إن كان موسرًا فظاهرٌ وإن كان مُعسِرًا فمَعَهُ ما يَطِيبُ عيشُهُ وهو القناعةُ والرِّضا بِقسمَةِ اللهِ تعالى، وأمّا الفاجِرُ فأمرُهُ بالعكس إن كانَ مُعسِرًا فظاهرٌ وإن كان موسرًا فالحِرصُ لا يَدعُهُ يَتهنّأُ بعيشِه، وقيلَ الحياةُ الطيبةُ القناعةُ أو حلاوَةُ الطَّاعَةِ أو المعرفةُ بالله وصِدقُ المَقامِ معَ الله وصِدقُ الوقوفِ على أمرِ الله والإعراضُ عمّا سوى الله.

 

 

ربّنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرةِ حسنة وقنا عذابَ النَّار اللهمَّ إنَّ نسألكَ الجنةَ وما قرّب إليها من قولٍ أو عمل ونعوذُ بك من النَّار ما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل

واختم لنا بخيرٍ يا أرحم الراحمين

والحمد لله ربِّ العالمين

 



[1] – سورة النحل.

[2] – سورة ءال عمران.