وبشرى المؤمنين وعذاب الكافرين و عجلة الإنسان وءاية اللّيل والنهار ومعرفة الحساب

Arabic Text By Aug 16, 2010

 

هديُ القرءان

وبشرى المؤمنين وعذاب الكافرين و عجلة الإنسان وءاية اللّيل والنهار ومعرفة الحساب

 

الحمدُ لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البَرِّ الرحيم والملائكة الْمُقرَّبين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وحبيبِ رب العالمين وعلى جميع إخوانه

من النبيين والمرسلين وءال كُلٍّ والصالحين

وسلامُ الله عليهم أجمعين

 

يقولُ الله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْءانَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا {9} وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا {10} وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً {11} وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ءايَتَيْنِ فَمَحَوْنَا ءايَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا ءايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَىْءٍ فَصَّلْنـٰهُ تَفْصِيلاً {12} وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا {13} اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا {14} مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {15}[1].

 

إنَّ اللهَ تعالى يخبرُنا بأنَّ القرءانَ يهدي للحالَةِ التي هيَ أقومُ الحالاتِ وأسدُّها وهيَ توحيدُ اللهِ والإيمانُ برسلِهِ والعَمَلُ بطاعتِه، ﴿وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ﴾ أي بأنَّ لهم ﴿أَجْرًا كَبِيرًا﴾ أي الجنّة.

 

وقولُهُ تعالى: ﴿وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا﴾ أي أعددنا ﴿لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ يَعنِي النّار.

 

﴿وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ﴾ أي ويدعو اللهَ عندَ غضَبهِ بالشرّ على نفسِهِ وأهلِهِ ومالِهِ ووَلدِهِ كما يَدعو لهُم بالخير أو يطلبُ النّفَعَ العاجل وإن قلَّ بالضَّررِ الآجِلِ وإن جَلَّ، ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً﴾ أي يَتسَرَّعُ إلى طَلِبِ كُلِّ ما يقَعُ في قلبِهِ ويَخطرُ ببالِهِ، لا يتأنّى فيهِ تأنيَّ الْمُتبَصّر، أو أرِيدَ بالإنسَانِ: الكافر وأنّهُ يدعوهُ بالعَذابِ استهزاءً ويَستعجِلُ بِه كما يدعو بالخيرِ إذا مَسَّتهُ الشِّدة، ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً﴾ يعني أنّ العذابَ ءاتيهِ لا مَحالةَ فما هذا الاستعجال؟ وعن عبدِ الله بنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: هوَ النّضرُ بنُ الحارث قال: ﴿اللهمَّ إن كانَ هذا هوَ الحقُّ مِنْ عندِكَ﴾ “الآية”[2] فأُجِيبَ فضُرِبَت عنقُهُ صَبرًا.

 

﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ءايَتَيْنِ فَمَحَوْنَا ءايَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا ءايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾ أي فمَحَونا الآيةَ التِي هيَ اللَّيل وجعلنَا الآيةَ التِي هي النَّهارُ ﴿مُبْصِرَةً﴾ أي مُضيئَةً للأبصَار، أو وجعلنا نَيِّرَيّ اللَّيلِ والنَّهارِ ﴿ءايَتَيْنِ﴾ يُريدُ الشَّمسَ والقَمر ﴿فَمَحَوْنَا ءايَةَ اللَّيْلِ﴾ التِي هيَ القَمَرُ حيثُ لَم نَخلُق لهُ شُعاعًا كشُعَاعِ الشَّمسِ فتَرى الأشياءَ بهِ رؤيةً بيّنة، وجَعلنا الشَّمسَ ذاتَ شُعاعٍ يُبصَرُ في ضوئِها كلُّ شىء ﴿لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي لِتَتوَصَّلوا بِبيَاضِ النَّهَارِ إَلى التَّصَرُّفِ في مَعايِشِكُم ﴿وَلِتَعْلَمُواْ﴾ باختلافِ الجَدِيدين ﴿عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ يعني حِسَابَ الآجَالِ ومَواسِمَ الأعمَال ولو كانا مِثلَين لَمَا عُرِفَ اللَّيلُ مِنَ النَّهار ولاستراحَ حُرّاسُ الْمُكتَسِبينَ والتجَّار، ﴿وَكُلَّ شَىْءٍ﴾ مِمَّا تَفتَقِرونَ إليهِ في دينِكُم ودُنياكُم ﴿فَصَّلْنـٰهُ تَفْصِيلاً﴾ بيّناهُ بَيَانـًا غيرَ مُلتبِس فأزَحَنا عِللَكُم وما تركنا لكُم حُجّة.

 

وإنَّ اللهَ سبحانهَ يُخبرُنا بأنَّ كلَّ إنسَانٍ عمَلُهُ لازمٌ لهُ لُزومَ القِلادَةِ أو الغلِّ للعُنقِ لا يُفَكُّ عنه ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَـٰهُ مَنشُورًا﴾ أي غيرَ مّطوِيٍّ ليُمكِنَهُ قراءتُه، ونقولُ له: ﴿اقْرَأْ كَتـٰبَكَ﴾ أي كتابَ أعمالِكَ، وكلٌّ يُبعَثُ قارئًا، ﴿كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ أي مُحاسِبًا وشَاهِدًا.

 

﴿مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ أي فلَهَا ثوابُ الاهتِدَاء وعليها وَبالُ الضَّلال، ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ أي كلُّ نَفسٍ حامِلَةٍ وِزرًا فإنّما تَحمِلُ وِزرَها لا وِزرَ نفسٍ أخرى.

 

﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ أي وما صَحَّ مِنَّا أن نُعَذِّبَ قومًا عذابَ استِئصَالٍ فِي الدُّنيا إلا بعدَ أنْ نُرسِلَ إليهم رسولاً يُلزِمُهُم الحُجَّة هذا على مَذهِبِ الماتُريديّة، أما الأشاعِرَةُ فيَحملونَ هذا على عَذابِ الآخرة فعندَهُم مَنْ لَم تبلُغهُ الدَّعوَةُ لا يُعذَّبُ في الآخرة، إن عبَدَ غيرَ اللهِ وفعَلَ ما فَعَل، أما أولئكَ يقولون: الذي لا يعرِفُ اللهَ فيموتُ وهو لا يعرِفُ الله لا يُعذَر ولو كانَ لَم تبلغهُ الدّعوة لأن العقلَ يكفي فِي معرفةِ الله فمَن لَم يَعرِف الله فبتقصيرِه، هوَ لَم يتَفَكَّر فِي مَخلوقاتِ اللهِ حتَّى يَعرِفَ الخالق فلا عُذرَ له، لكنَّ الرَّاجِحَ مذهَبُ الأشاعِرةِ لأنَّ الاهتداءَ بالعقلِ إلى معرِفَةِ وجودِ اللهِ لا يَتَيَسَّرُ إلا إلى القَليلِ مِنَ النَّاس، يقولُ القائلُ: أنا كنتُ بعدَ أن لَم أكن وما كانَ بعدَ أن لَم يكن فلابدَّ له مِنْ مُكوّن فأنا لا بُدَّ لِي مِنْ مُكَوّن.

 

اللهمَّ اجعلنا هداةً مهديين غيرَ ضالينَ ولا مُضلّين

اللهمَّ استر عوراتنا وءَامِن رَوْعاتنا واكفنا ما أهمنا وقنا شرَّ ما نتخوَف

وأصلح ذاتَ بيننا وألّف بينَ قلوبنا يا أرحمَ الراحمين

والحمدُ للهِ ربّ العالمين

 

 

انتهى ما تم جمعُهُ في الأول من شهر ذي الحِجَّة سنة ١٤٢٩هـ

الجزء الأول من كتاب من هدي القرءان

والحمدُ لله ربّ العالمين

 

^^^



[1] – سورة الإسراء.

[2] – الآية: ﴿وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ سورة الأنفال.