الجنة ونعيمها

Arabic Text By Jan 12, 2010

 

الجنة ونعيمها


قال الله تعالى : { وسَارعُوا إلى مَغفِرةٍ مِن ربِّكُم وجَنّةٍ عَرضُها السّمواتُ والأرضُ أُعِدّت للمُتّقين}هذه الآيةُ فيها أنّ اللهَ تعالى خَلقَ الجنّةَ وهيَ دارُ السّلام أي دارُ النّعِيم المقِيم الدائم،والنّعيمُ فيها قِسمَان:نَعِيمٌ لا يَنالهُ إلا الأتقياءُ وهذا مَعنى ما وَردَ في الحديثِ القُدسيّ الذي رواه البخاريّ مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّه قال :[ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قالَ الله عزّ وجل : أَعدَدْتُ لعِبادِيَ الصّالحِينَ ما لا عَينٌ رأَت ولا أُذُنٌ سمِعَت ولا خطَرَ على قَلبِ بَشَر] وقال أبو هريرة رضي الله عنه اقرؤوا إن شِئتُم قولَه تعالى : {فَلا تَعلَمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لهم مِن قُرّةِ أَعيُنٍ جَزاءً بما كانُوا يَعمَلُون}. ونَعِيمٌ يَنالهُ كُلُ أهلِ الجنّة ومِن هذا النّعيم العَامّ ما وَرد في الحديثِ الصحيح: ( إذَا دخَل أهلُ الجنةِ الجنةَ نَادى مُنادٍ : يا أهلَ الجنّةِ إنّ لكُم أن تحيَوا فلا تموتُوا  أبدًا وإنّ لكُم أن تشِبُّوا فلا تهرَمُوا أبدًا وإنّ لكُم أن تصِحُّوا فلا تَسقَمُوا أبدًا وإنّ لكُم أن تَنعَمُوا فلا تَبأَسُوا أبدًا) وقد ورد في الحديث الصحيح:[ أن امرأة قتل ولدُها في سبيل الله فجاءت رسول الله فقالت:يا رسول الله إن كان ابني في الجنة وإلا بكيت بكاء شديدا فقال لها : أهبلت إنها جنان كثيرة وإن ابنك في الفردوس الأعلى] ومعنى قوله عليه السلام : (أهبلت) أي أذهب عقلك وهذا فيه تنبيه لها وليس فيه سبٌ ولا إهانةٌ ولا إيذاء. والجنةُ مكانها فوق السماء السابعة منفصلة عنها وسقفها عرش الرحمن كما وورد في الحديث الصحيح والعرش خلقه الله إظهارا لقدرته ولم يتخذه مكان لذاته كما قال سيدنا علي رضي الله عنه. فالله تعالى ليس حجما بل هو خالق الأحجام كلها فهو موجود بلا مكان والجنةُ درجات وأحسنُ مكان فيها الفردوس الأعلى وهو أعلى الجنة ووسطها قال عليه الصلاة والسلام :[ إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى فإنه أعلى الجنة ووسطها] .

(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إنّ في الجنّةِ مائةَ درجة أعدّها الله للمجاهدينَ في سبيله ما بين كلّ درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسَلُوه الفِردَوس فإنّه أوسط الجنّة وأعلى الجنّة وفوقَهُ عرشُ الله ومنه تفجَّرُ أنهار الجنّة“.رواه البخاري.

وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم : [إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء (وفي رواية) عرضها ستون ميلا  للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا] .

وورد في الحديث الصحيح :[ أن يهودياً جاء رسول الله فقال له يا محمد إنك تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ومن يأكل ويشرب يبول ويتغوط فقال عليه السلام يأكلون ويشربون وطعامهم وشرابهم رشح كالمسك.] معناه : أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يخرج منهم بول أو غائط إنما طعامهم وشرابهم عرقٌ يخرج منهم رائحته كالمسك.

وفي الحديث:إن الرجل من أهل الجنّة ليُعطى قوة مائةِ رجل في الأكل والشرب والشهوة والجماع،حاجةُ أحدِهم عرق يفيضُ من جلدِه فإذا بطنُه قد ضَمِر“رواه الطبراني وأحمد وابن أبي شيبة.وفي كتاب غريب الحديث:حاجةُ أحَدِهم يريدُ حاجتَه إلى ما كان في الدّنيا من البول والبُراز ليخرج فضلة الأكل والشرب فيكون ذلك عرق يرشح ولا يكون في الآخرة بول ولا بُراز.

والمؤمن بعد دخول الجنة يخلد فيها ولا يخرج منها أبدا والجنة موجودة الآن.

وأحلى نعيم في الجنة يجده المؤمن هو رؤية الله عز وجل فالمؤمنون وهم في الجنة يرون الله تعالى بأعين رؤسهم هم في مكانهم في الجنة والله تعالى موجود بلا جهة ولا مكان لا يكون بينهم وبين الله مقابلة كما يكون بين المخلوق والمخلوق ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم:  (إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته) أن المؤمنين يرون الله تعالى رؤية لا يكون عليهم فيها اشتباه كما أن رائي القمر ليلة البدر لا يشك أن الذي رآه هو القمر أم لا ولم يشبه رسول الله ربنا سبحانه وتعالى بالقمر لأن الله لا يشبه شيئا كما قال الله تعالى : {ليس كمثله شئ

قال الله تعالى:”وَسَارِعُوا إلى مَغفِرةٍ مِن رَبِّكُم وجَنّةٍ عَرضُهَا السّمواتُ والأرضُ أُعِدَّت للمُتّقِين”ءال عمران133.

ومعنى المسَارعَةِ إلى المغفِرةِ والجنّةِ الإقبالُ على ما يُوصِلُ إليهِما،ثم قيلَ هي الصّلواتُ الخَمسُ أو التّكبيرةُ الأُولى،أو الطّاعةُ،أو الإخلاصُ، أو التّوبة، أو الجمُعةُ والجمَاعَات،

عَرضُها السّمواتُ الأرضُ المرادُ وصفُها بالسَّعَةِ والبَسْطِ فَشُبّهَت بأَوسَعِ ما عَلِمَهُ النّاسُ مِن خَلقِه وأَبسَطِه وخُصَّ العَرضُ لأنّهُ في العَادَةِ أَدنى مِنَ الطُّولِ للمُبَالغَةِ .

وعن ابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا: عرضُها كسَبعِ سمواتٍ وسَبعِ أَرَضِين لَو وُصِلَ بَعضُها ببَعضٍ.

ونَقلَ الرّازيُّ في تفسيره عن القَفّالِ أنّهُ قالَ ليسَ المرادُ بالعَرضِ هَهُنا ما هوَ خلافُ الطُّول بل هو عبارةٌ عن السّعَةِ كمَا تَقُولُ العَربُ بِلادٌ عَريضَةٌ أي واسِعَةٌ عظِيمةٌ.والأصلُ فيه أنّ ما اتّسَعَ عَرضُه لم يَضِقْ،وما ضَاقَ عَرضُه دَقَّ،فجُعِلَ العَرضُ كنايةً عن السَّعةِ.

ومَا رُويَ أنّ الجنّة في السّماءِ السّابعةِ أو في السّماءِ الرابعةِ فمَعناه أنها في جِهَتها لا أنها فِيها أو في بَعضِها،

كما يقَالُ في الدّارِ بُستانٌ وإنْ كانَ البُستانُ يَزيدُ عَليهَا لأنّ المرادَ أنّ بابه إليها.

ودَلّتِ الآيةُ والتي قبلَها التي فيها:واتّقُوا اللهَ لعَلّكُم تُفلِحُونَ واتّقُوا النّارَ التي أُعِدَّت للكَافِرينَ“على أنّ الجَنّةَ والنّار مخلُوقَتان.

ثم المتَّقِي مَن يَتّقِي الشِّركَ،أو مَن يَتّقِي المعَاصِي،فإنْ كانَ المرادُ الثّاني فهيَ لهم بغَيرِ عُقوبةٍ وإنْ كانَ المرادُ الأوّل فهيَ لهم أيضًا في العَاقِبةِ.

الجنةُ حقٌّ فيجبُ الإيمانُ بها وأنها مخلُوقَةٌ الآنَ كمَا يُفهَمُ ذلكَ مِن القُرءانِ والحَديثِ الصّحيح،وهيَ فَوقَ السّماءِ السّابعةِ ليسَت متّصِلةً بها كما دلَّ على ذلكَ الحديثُ الصّحيحُ الذي رواه البيهقي.وقال تَعالى:عندَها جنّةُ المأوى“أي عندَ سِدرَةِ المنتَهى.

وسَقفُ الجنّةِ عَرشُ الرّحمن وأهلُها على صُورةِ أَبيهِم ءادمَ سِتّونَ ذِراعًا طُولا في سَبعَةِ أَذرُعٍ عَرضًا جَمِيلُو الصّورةِ،جُردٌ مُرْدٌ في عمُرِ ثَلاثَةٍ وثَلاثِينَ عَامًا،خَالدُونَ فيها لا يخرجُونَ مِنهَا أبدًا،وقَد صَحّ الحديثُ بأنّ أهلَ الجنّةِ على صُورةِ أَبِيهِم ءادمَ سِتّونَ ذِراعًا في السّماءِ في سَبعةِ أَذرُعٍ عَرضًا.

الجنّةُ حقٌّ أي وجُودُها ثابتٌ وهيَ مخلوقةٌ الآنَ ولها ثمانيةُ أبوابٍ منهَا بابُ الريّانِ الذي يَدخُلُ مِنهُ الصّائمُونَ،

وشهِيدُ المعركةِ يُخَيَّرُ مِن أيِّ أبوابِ الجنّةِ شاءَ أن يَدخُلَ، والجنّةُ فوقَ السّماءِ السَابعةِ مُنفصِلةٌ عنها بمسَافةٍ بعيدةٍ ولها أرضُها المستقِلّةُ وسقفُها عَرشُ الرحمن كما أَخبَر بذلكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري:إذَا سَأَلتُمُ اللهَ (الجنّةَ)فَسَلُوه الفِردَوسَ فإنّهُ أَوسَطُ الجنَّةِ وأَعْلَى الجنّةِ وفَوقَهُ عَرشُ الرّحمن”.

وأهلُ الجنّةِ على صُورةِ أَبِيهِم ءادمَ سِتّونَ ذِراعًا طُولا في عَرضِ سَبعَةِ أَذرُعٍ حِسانُ الوجُوه،فمَن كانَ في الدُّنيا مِنَ المؤمنينَ دَمِيمًا تَذهَبُ عنهُ دَمامَتُه،اللهُ تَعالى يجعَلُه في الجنّةِ كجمَالِ يوسُفَ الصِّدّيق،يُعطِيهِ شَبَهًا بيُوسُفَ الصِّدّيق في الجمال،

والذي كانَ قصِيرًا يَذهَبُ عنه قِصَرُه،ويجعَلُ الله تعالى في كُلّ واحِدٍ عَلامةً تميّزُه عن غَيرِه أنّ هَذا هوَ فُلان،حتى إنْ زَارهُ مَن كانَ يَعرفُه في الدّنيا يَعرفُه تِلك السّاعة،فإنَّ أهلَ الجنّةِ يتَزاوَرُونَ وتَزاورُهُم يَحصُلُ إمّا بأنْ يَطِيرَ بالشّخصِ سَريرُه حتى يَنزلَ بهِ أمامَ سَرير الذي يُريدُ زيارتَه فيَجلِسانِ متقَابلَين،لأنهُ مِن سهُولَةِ السّيرِ هناكَ السّريرُ الذي عَليهِِ بمجَرّدِ مَا يَشتَاقُ الإنسانُ لصَاحِبهِ الذي يُريدُ رؤيتَهُ يَطِيرُ بهِ بقُدرةِ الله تعالى حتى ينزلَ بهِ أمامَ سَريرِ ذلكَ الشخصِ فيتجَالسَانِ فيتَحدَّثان،ثم يطِيرُ به إذا أرادَ الرّجُوعَ إلى مَنزِله وهذَا هوَ مَعنى الآيةِ:عَلى سُرُرٍ مُتقَابِلينَ”سورة الحجر 47.ينظُر بعضُهم إلى بَعض.

فِيها سُرُرٌ مَرفُوعَة”قالَ ابنُ عَباس أَلواحُها مِن ذَهَب مُكَلّلَةٌ بالزّبَرجَد والدُّرّ واليَاقُوت،مُرتَفِعةٌ ما لم يجِىء أهلُها فإذَا أرادَ أن يجلِسَ عَليها أصحَابُها تَواضَعت لهم حتى يجلِسُوا علَيها ثم ترتَفعُ إلى مواضِعها،وأحيانًا يَركَبُون خُيولا مِن ياقُوت لها أجنِحةٌ مِن ذهَب تَطِيرُ بهم.

وأهلُ الجنّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ في عمُر ثلاثةٍ وثلاثينَ عامًا لا تَنبُت لهم لحيةٌ وليسَ على أَذْرِعَتِهم ولا على بطُونهِم ولا على سِيقانهِم شَعَر إلا شعَرُ الرأسِ والحاجِب والأهداب،طعامُهُم وشرَابُهم لا يتَحوّلُ إلى الغَائطِ والبولِ إنما يَفِيضُ مِن جِسمِهم عَرقًا كالمِسكِ ليسَ كعَرقِ الدّنيا،عَرقُ الدّنيا يتولَّدُ مِنه الوَسَخُ والقَمْلُ،لأنّ اللهَ تعَالى لم يخلُقْ في الجَنّةِ مَكرُوهًا مُستَقذَرًا،ولا يحصُل لأهلِ الجنّةِ مُخَاطٌ ولا شَىءٌ مُستَقذَرٌ.

 وقد روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:يُنادِي مُنادٍ(وهو مَلَكٌ يُنادِي بأهلِ الجنّة)إنّ لكُم أنْ تَصِحُّوا فلا تَسقَمُوا أبدًا وإنّ لكُم أن تَحْيَوا فلا تموتُوا أبدًا وإنّ لكُم أن تَشِبُّوا فلا تَهرَمُوا أبدًا وإنّ لكُم أنْ تَنعَمُوا فلا تَبأَسُوا أبدًا

وءاخِرُ مَن يَدخُلُ الجنّةَ منَ المؤمنينَ لهُ مِثلُ الدُّنيا وعَشَرةُ أمثالها.

والواحِدُ مِن أهلِ الجنّةِ أقَلّ مَا يكونُ عِندَهُ مِنَ الوِلدانِ المخَلّدِين عَشَرةُ ءالافٍ لأنَّ الجنّةَ لَيسَت دارَ وَحْشَةٍ،الرجلُ يكونُ مَظهَرُهُ مَظهَرَ الملُوكِ وهؤلاءِ الغِلمَان حَوله بمثَابةِ الخَدم في الدّنيا،صُوَرُهم كصُوَرِ الغِلمَانِ الذينَ هم أبناءُ أربعَ عَشْرةَ أو ثَلاثَ عَشْرةَ أو خَمسَ عَشْرَة فقط.بإحْدَى يَدَي كُلّ مِنهُم صَحِيفَةٌ مِن ذَهب وبالأخرى صحِيفَةٌ مِن فِضّة لتَقرِيب الطّعام والمأكُولات لأهلِ الجنَّة قال تَعالى:يُطَافُ عَليهِم بصِحَافٍ مِن ذهَبٍ وأَكوابٍ” سورة الزخرف 71.

والأكوابُ جمعُ كُوبٍ وهوَ إِناءٌ مُستَدِيرٌ لا عُروةَ لهُ أي لا أذُنَ لهُ.وقال تعالى:”ويَطُوفُ علَيهِم غِلمَانٌ لهم كَأنهم لؤلؤٌ مَكنُون” سورة الطور24.

أي يَطُوفُ للخِدمةِ غِلمانٌ كأنّهُم مِنَ الحُسْنِ والبَياضِ لؤلؤٌ مَكنُون أي لم تمَسَّه الأيدي.هؤلاءِ الغِلمَان خَدمٌ لأهلِ الجنّة ليسُوا مِن بَني ءادمَ ولا مِنَ الجِنّ ولا مِنَ الملائكة،هُم خَلقٌ مِن خَلْقِ اللهِ مَنظَرُهُم جمِيلٌ يَسُرُّ النّاظِرينَ.

وفي الدّر المنثور للسّيوطيّ ما نَصُّه وأخرجَ ابنُ المبارك وابنُ أبي الدّنيا في صِفَةِ الجنّةِ والطّبراني في الأوسط بسَند رجاله ثقَات عن أنسٍ رضي الله عنه قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:إنَّ أَسفَلَ أَهلِ الجنّةِ أجمَعِينَ دَرجَةً لمَن يَقُومُ على رأسِه عشَرةُ ءالافٍ بِيَدِ كلّ واحِدٍ صَحْفَتانِ واحِدَةٌ مِن ذَهبٍ والأخرى مِن فِضّة في كُلّ واحدَةٍ لَونٌ ليسَ في الأخرَى مِثلُه يَأكُل مِن ءاخِرها مِثلَ ما يَأكُل مِن أوّلها يجِدُ لآخِرها مِنَ الطِّيبِ واللّذّةِ مِثلَ الذي يجِدُ لأوّلِهَا ثم يكونُ ذلكَ رِيحُ المِسكِ الأَذفَر لا يَبُولُونَ ولا يَتغَوّطُونَ ولا يمْتَخِطُونَ،إخْوانًا على سُرُرٍ مُتَقَابِلِين”.  

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصفِ الجنة:هيَ ورَبِّ الكَعبَة نُورٌ يتَلألأ وريحَانةٌ تهتَزّ وقَصرٌ مَشِيدٌ ونهرٌ مُطّرِدٌ وفَاكِهَةٌ كثِيرَةٌ نضِيجَةٌ وزَوجَةٌ حَسنَاءُ جميلَةٌ وحُلَلٌ كثِيرةٌ في مُقَامٍ أَبدِيّ في حُبْرَةٍ ونَضْرَةٍ في دَارٍ عَالِيَةٍ بهِيّةٍ“رواه ابن حبان.

في بدايةِ هذا الحديثِ يقولُ النّبيُّ عليهِ الصّلاةُ والسّلام لأصحابه:هلْ مشَمِّرٌ للجَنّةِ“أي هَل مِن مجتَهِدٍ في طَاعةِ اللهِ ومُستَعِدٍّ للآخِرة،قال”فإنَّ الجنَّةَ لا خَطَرَ لها“أي لا مِثلَ لها،وقولُه علَيهِ الصّلاةُ السّلام:” هيَ ورَبِّ الكَعبةِ نُورٌ يتَلألأ “أيْ أُقسِمُ برَبّ الكَعبةِ بأنّها نُورٌ يتَلألأ أي فلا تحتَاجُ الجنَّةُ إلى شمسٍ ولا قَمر،لا ظَلامَ فيها هناكَ كمَا في الدُّنيا،لكنَّ مِقدَارَ اللّيلِ والنّهارِ يُعرَفُ بعَلامَةٍ جعَلَها اللهُ فيهَا.

إذَا كانتِ المرأةُ مِن نِساءِ الجنّةِ كمَا نعَتَها رسولُ اللهِ ووصَفَها بحيثُ لو اطّلَعت على هذهِ الدُّنيا لأضَاءَت مَا بَينَ المَشرِق والمغرِب  فمِن أينَ يكُونُ فيها ظَلامٌ،لو كانت أَعْيُنُ أهلِ الجنّةِ بنِسبةِ قُوّتها اليومَ لعَمِيَ أَهلُ الجنّةِ مِن عُظْمِ نُورِ الجنّةِ،لكنّ اللهَ يُعطِيهِم قُوّةً أَضعَافَ أَضعَافِ ما جعَلهَا في أَعيُنِهمُ اليوم،قُوّتها اليومَ نِسبَةٌ ضَئِيلةٌ كنسبَةِ النُّقطَةِ مِنَ البَحر،اللهُ أعطَى أبصَارهُم قُوّةً بحيثُ تَستَطِيعُ أن تَرى مَسافةَ أَلفِ سنةٍ كأنّها كَفٌّ،يَرونها رؤيةً ليسَ فيها اشتِباهٌ.

ووَصَفَها بأنّها رَيْحانةٌ تَهتزُّ أي ذاتُ خُضرةٍ يانِعَةٍ أي مُعجِبَةِ المنظَر،وليسَ هناكَ مَواسِمُ للثِّمار بل في أيّ وَقتٍ ما تَشتَهِيهِ تجِدُه،قال الله تعالى:” لا مَقطُوعَةٍ ولا ممنُوعَةٍ”سورةالواقعة33.  

أي هيَ دائمةٌ لا تَنقَطعُ في بعضِ الأوقاتِ كفَاكهةِ الدّنيا،ولا ممنُوعة أي لا يُمنَعُ مِن تَناولها بوَجهٍ،فإذَا كانَ المؤمنُ جَالسًا أو مُستَلقِيًا فاشتَهى أنْ يَأكُلَ مِن شَجرةٍ مِن أَشجَارِ الجنّةِ مَالَت إليهِ لِيَأخُذَ مِنهَا ما يُريدُ ثم تَعُودُ كمَا كانت وقَد أَنبَت اللهُ فيها بدَلَ الذي أُخِذَ منها،ثمّ إنّ كُلّ شَجَرةٍ في الجنّة سَاقُها مِن ذَهب.

وأشجارُ الجنّةِ لمّا تتَحرَّكُ يَصدُر لهَا صَوتٌ جمِيلٌ جِدًّا تمِيلُ إليهِ النُّفُوس.

ورَوى البخاريُّ أنّه يُوجَدُ في الجنّةِ شَجَرةٌ اسمُها طُوبَى يَسِيرُ الرّاكِبُ في ظِلّها مائةَ عَامٍ لا يَقطَعُها تتَفَتَّقُ بثِيابِ أَهلِ الجنّةِ،أي يخرُج مِنها ثيابٌ لأهلِ الجنّةِ يَلبَسُونها،فثِيابهُم جمِيلةٌ جِدًّا مِنها الحَريرُ والسُّندُس والاستَبرَق.

ومجامِرُهم الألُوّةُ أي العودُ وأَمشَاطُهُم الذّهَب .(وليس معنى المجامرِ أنّه يُوجَدُ فيها جمرٌ إنما مَعناهُ الشّىء الذي يُوضَعُ فيهِ البَخُور.

وكلامُ أهلِ الجنّةِ عَربيّ،يَذكُرونَ اللهَ ويُسبّحُونَه ويَقرأونَ القُرءانَ، أمّا الصّلاةُ فلا يُصَلّون . 

 وفي الحديثِ أنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم وصَفَ الجنّةَ بأنّهَا قَصرٌ مَشِيدٌ أي فيهَا قُصُورٌ عَاليَةٌ مُرتَفِعَةٌ في الهواءِ،وقَد ورَدَ في الحديثِ أنّ للمُؤمِنِ في الجنّةِ خَيمَةٌ مِن لؤلؤةٍ مجَوّفَةٍ واحِدةٍ طُولها في السّماءِ سِتُّونَ مِيلا،وفي الجنّةِ جَنّتَانِ ءانِيتُهُما ومَا فِيهِما مِن ذَهَبٍ،يَسكنُهما المقرَّبُون،وهُناكَ أيضًا جَنّتانِ مِن فِضّةٍ ءانِيَتُهما ومَا فِيهِما.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إنّ في الجنّة خيمةً من لؤلؤة مجوّفة طولها في السماء (وفي لفظ)عرضُها ستّون ميلا في كلّ زاوية منها أهل لا يراهم الآخرون يطوف عليهم المؤمن”

وفي لفظ”للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضُهم بعضا”رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

وعن عِمرانَ بنِ حُصَين وأبي هريرةَ قَالا سئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن قولهِ“ومَساكِنَ طَيِّبة في جَنّاتِ عَدْن“قال:”قَصرٌ في الجنّةِ مِن لؤلؤةٍ فِيها سَبعُونَ دَارًا مِن يَاقُوتَةٍ حَمراءَ في كُلِّ دارٍ سَبعُونَ بَيتًا مِن زُمُرُّدَةٍ خَضراءَ وفي كلِّ بَيتٍ سَبعُونَ سَريرًا على كلِّ سَريرٍ سَبعُونَ فِراشًا مِن كلِّ لَونٍ على كلِّ فِراشٍ امرأةٌ في كلِّ بيتٍ سبعونَ مائدةً على كلِّ مائدةٍ سبعونَ لونًا مِن طَعام في كلِّ بيتٍ سبعونَ وصِيفًا ووصيفةً ويُعطَى المؤمنُ منَ القُوةِ ما يأتي على ذلكَ كلِّه في غَداةً واحِدةً

وقَد وَردَ في الحديثِ الصّحِيحِ أنّ الجنّةَ مِنها مَا بِناؤه لَبِنُ ذَهبٍ ولَبِنُ فِضَّة،وهيَ كمَا قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:”جِنَانٌ كثِيرةٌ“رواه البُخاري.

وكذلكَ يُوجَدُ في الجنّةِ غُرَفٌ يُرَى ظَاهِرُهَا مِن بَاطِنها وباطِنُها مِن ظَاهِرها.

وعن عبد الله بنِ عمرو رضيَ الله عنهُما أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:”إنَّ في الجنّةِ غُرفًا يُرَى ظَاهِرُها مِن بَاطِنها ويُرَى بَاطِنُها مِن ظَاهرِها“قال أبو مَالكٍ الأشعَريّ لمن هيَ يا رسولَ اللهِ قال:”لمنْ أَطَابَ الكَلام وأَطْعَمَ الطّعامَ وبَاتَ قَائمًا والنّاسُ نِيام“رواه أحمد بن حنبل والطّبراني بإسنادٍ حَسن والحاكم ورواهُ البَيهقيّ بلَفظ:إنّ في الجنّةِ غُرفةً يُرَى ظَاهِرُها مِن باطِنها وباطِنُها مِن ظَاهرِها أعَدَّها اللهُ لمن ءَلانَ الكلامَ وأَطْعَم الطّعامَ وتَابعَ الصِّيام وصَلّى باللّيلِ والنّاسُ نِيام

وقولُه عليه السّلام في الحديث المارّ:”نَهْرٌ مُطّرِد“أي أنهارٌ جَاريةٌ لا تُكَلِّفُ تَعَبًا بالتّناوُلِ مِنهَا لأنها ليسَت في وِهَادٍ عَمِيقَةٍ بل هيَ جَاريةٌ على وجْهِهَا،على وَجهِ أَرضِ الجَنّة،قالَ اللهُ تعالى:مَثَلُ الجنَّةِ التي وُعِدَ المتّقُونَ فِيها أَنهارٌ مِن مَاءٍ غَيرِ ءاسِن وأنهارٌ مِن لبَنٍ لم يَتغَيّر طَعمُه وأَنهارٌ مِن خَمْرٍ لَذّةٍ للشّارِبينَ وأَنهارٌ مِن عَسلٍ مُصَفّى “سورة محمد 15.

غيرِ ءاسِن أي لا يتَعفَّن .فالماءُ الذي في الجنّةِ أَلذُّ مِنَ مَاءِ الدُّنيا بكَثِير ولا يتَعفّن،واللّبَنُ المذكورُ في الآيةِ المرادُ بهِ الحليبُ وهوَ غيرُ الحَلِيب الذي تُخرجُه الأنعَام في الدّنيا وأَلذُّ مِنهُ بكَثير ،والخَمرُ الذي هناكَ لا يُسكِرُ ولا يُصدِعُ الرّأس ولا يُغيّبُ العَقلَ،ليسَ مُرّ الطّعم بل هوَ لَذِيذُ الطّعْمِ جِدًّا،والعَسَلُ الذي هناك غَيرُ العَسلِ الذي تُخرِجُه النّحل وأَلذُّ مِنه بكَثير.

 يقول عليه الصلاة والسلام في وَصْفِ الجَنّة:وفَاكِهَةٌ نَضِيجَةٌ“أي أنّ فيها منَ الفَواكِه كُلَّ مَا تَشتَهِيْهِ النّفسُ،وكُلّ ما فيها منَ الفَواكِه نضِيج أي مُسْتَوٍ يُدرَكُ للأكل،قال الله تعالى:”وفَاكِهَةٍ مما يتَخَيَّرونَ”أي يأخذُونَ خَيْرَه وأَفضَلَه،يتَخَيَّرونَ مَا شَاءُوا لكَثرَتها.

قال الله تعالى”وفَاكِهَةٍ كَثِيرةٍ لا مَقطُوعَةٍ ولا ممنُوعَة”أي هيَ دائمةٌ لا تَنقَطِعَ في بعضِ الأوقاتِ كفَاكِهةِ الدُّنيا،ولا ممنُوعَة أي لا يُمنَعُ مِن تَناوُلها بوَجه.

وفي الجنّةِ أيضًا طيُورٌ وغنَمٌ ،وقد وردَ في الحديث إنّكَ لَتَنظُر إلى الطّيرِ في الجنّةِ فتَشتَهِيه فيَخِرُّ بينَ يَدَيكَ مَشوِيّا”رواه البيهقي والبزار وغيرهما.ثم بعدَما يَأكلُه المؤمنُ يُعِيدُه اللهُ كمَا كانَ فيَطِيرُ.قال الله تعالى:ولحمِ طَيرٍ مما يَشتَهُون“أي مما يتَمنَّون.أي لا يكونُ لحاجَةٍ ولا ضَرورة بل لمجرّد الشّهوة.

وقولُه عليه الصلاة والسلام:وزَوجَةٌ حَسنَاءُ جمِيلَة“فقد ورَدَ في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم:لكُلِّ امرِئٍ مِنهُم زَوجَتان مِنَ الحُور العِيْن“وهذا الحديثُ صحيحٌ متّفَقٌ عليه.

ووَرد في الحديث الصحيح أيضًا الذي رواه الضِّياءُ المقدِسيّ في المختَارة:أنّ الرّجُل مِن أهلِ الجَنّة ليَطُوفُ في الغَداةِ الواحِدةِ على مائةِ عَذْرَاءَ“وجاءَ في الحديث الصحيح أنّ الشّهيدَ لهُ اثنتانِ وسَبعُون زَوجةً،ثم سَائرُ أهلِ الجنّةِ على مَراتبَ مِنهُم مَن عندَه مائةٌ منَ النّساء.

في الجنّةِ اللهُ يُعطِي الواحدَ منَ الرِّجالِ قُوّةَ مائةِ رجلٍ في الشّهوةِ،وكذلكَ في الأكلِ والشُّربِ،ولا يُصِيبُ المؤمنَ فتُورٌ عقِبَ الجِماع،ولا يَنزِلُ مِنهُ مَنيّ،لأنّ الجنّةَ ليسَ فيها ذلكَ،

ولكن يُحِسُّ باللّذةِ دونَ نُزول المنيّ.

وقَد ثبَت في الحديث أنّ نساءَ أهلِ الجنّة على رؤوسِهنّ خمُر،الدُّنيا وما فيها لا تُساوي الخمارَ الذي يَلبَسْنَه نِساءُ أهل الجنّة،وهُنّ يَلبَسْنَ الخِمارَ تجَمُّلا،زيادةً في الحُسن،والخمارُ ما تُغطّي به النساءُ رؤوسَهنّ.

ونساءُ الجنّة أبكارٌ أي كُلّما أتى المؤمنُ زوجتَه منهُنّ وجدَها بِكرًا،ثم معَ كَثرةِ أَزواجِ أهلِ الجنّةِ لا يحصُلُ بينَ نِسائهِم تبَاغُضٌ وغَيرةٌ وحَسدٌ وتنَافُر وتحَاقُد،لأنّ اللهَ يُطهّرُ قُلوبَ أَهلِ الجنّةِ مِن ذلكَ،بل تكونُ مَسرُورةً بزَوجٍ واحِد مكتَفِيةً بهِ راضِيةً بما أعطاهَا الله.

اللهُ جعَلَ قلُوبَ أهلِ الجنّةِ كقَلبِ شَخصٍ واحِد،أمّا النساءُ المؤمناتُ مِن بنَاتِ ءادَمَ اللاتي كُنّ مُتزَوِّجاتٍ في الدّنيا الله تعالى يزَوِّجُهنّ مِن هؤلاء البشَر،ومَن كانت متزَوِّجةً تَعُودُ لزَوجِها إنْ ماتَت في نِكاحِه.

والمرأةُ اللهُ يجعَلُ في قَلبِهَا القَناعَة وطُمأنينَةَ النّفس في الزّوج الواحِد.فإن كانَت المرأةُ تزَوّجَت أكثَرَ مِنْ رَجُلٍ فتَكون معَ الذي ماتَت في نِكاحِه،وبَعضهُم قالَ تُخَيَّرُ،والأقوَى هوَ القَولُ الأوّل.

قال الله تعالى “والذينَ ءامَنُوا وعَمِلُوا الصّالحاتِ لا نُكَلّفُ نَفسًا إلا وُسْعَها أولئكَ أَصْحَابُ الجَنّةِ هُم فيهَا خَالِدُونَ ونَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مِنْ غِلّ“الأعراف 43

قولُه سبحانه وتَعالى إلا وُسْعَها أي إلا طَاقتَها،والتّكلِيفُ إِلزَامُ مَا فيهِ كُلفَةٌ أي مَشقَّةٌ،وقولُه ونَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مِن غِلّ أي أَذهَبنا في الجنّةِ مَا انْطَوتْ عَليه صدُورُهم مِنَ الحقُود التي كانَت بَينَهُم في الدّنيا فلَم يَبقَ بَينَهُم إلا التّوادُّ والتّعاطُف،وقيل نَزْعُ الغِلِّ في الجنّةِ أن لا يَحسُدَ بَعضُهم بعضًا في تَفاضُلِ مَنازِلهم.

وعن عليّ رضي الله عنه إنّي لأرجُو أنْ أَكُونَ أنا وعثمان وطلحةُ والزّبير منهم.

“تَجرِي مِن تَحتِهِمُ الأنهارُ وقَالوا الحمدُ للهِ الذي هَدَانا لهذا“أي لمِا هوَ وَسِيلةٌ إلى هذا الفَوز العظِيم وهو الإيمانُ.

“ومَا كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولا أنْ هَدانَا اللهُ“أي ومَا كانَ يصِحُّ أن نَكُونَ مُهتَدِينَ لولا هِدايةُ اللهِ.

والحُورُ العِينُ نساءُ أهلِ الجنّةِ مِن غَيرِ الإنسِ،خُلِقنَ خَلقًا مِن غَيرِ تَوالُدٍ إكرَامًا للمؤمنينَ،والحُورُ جَمْعُ حَوراءَ والعِينُ جَمعُ عَيناءَ، والحُورُ مِنَ الحَوَرِ وهوَ شِدَّةُ بَياضِ العَينِ وشِدَّةُ سَوادِها وأمّا العِيْنُ فمَعناهُ واسِعَاتُ العُيون.وقَد قال الله تعالى في وَصْفِهنّ:”كأَنَّهُنَّ اليَاقُوتُ والمَرجَان”سورة الرحمن58.

وَهُنَّ خَيْراتٌ حِسان،خَيْراتُ الأخلاق حِسَانُ الوجُوه، أزواجُ قومٍ كِرام،والواحِدَةُ مِنهُنّ مِن شِدّةِ صَفاءِ عَظمِها يُرى مُخُّ سَاقِها مِن خِلالِ الجِلد وذلكَ مِن شِدّةِ جمَالها.

وقال السّيوطيُّ في الدّرّ المنثُور وأخرجَ ابنُ المبارَك في الزُّهدِ عن الأوزاعِيّ :فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَان“قال لَسْنَ بَذِيئات اللسان ولا يَغَرنَ ولا يؤذِينَ.

وأخرج ابنُ جَرير والطبراني عن أمِّ سَلَمة قالت قلتُ يا رسولَ الله أخبِرني عن قولِ الله :كأنهنّ لؤلؤ مَكنُون“قال صَفاؤهنّ كصَفاءِ الدّر الذي في الأصْدَافِ الذي لم تمَسَّه الأيدِي.

قلتُ فأخبرني عن قولِ الله:“كأنّهُنّ بَيْضٌ مَكنُون“قال رِقَّتُهنّ كَرِقّةِ الجِلدَةِ التي في داخِلِ البَيضَةِ مما يلي القِشر.

قلتُ فأخبرني عن قول الله:فِيهِنّ خَيْراتٌ حِسَان“قال خَيْرَاتُ الأخلاقِ حِسَانُ الوُجُوه”.

وقالَ الرّاغب في مفردَاته في قولِه تعالى :“فيهِنّ خَيْراتٌ حِسَان“المرادُ بذلكَ المختَارات،أي فيهِنّ مُختَارَات لا رَذل فِيهِنّ.

قال الله تعالى:وعِندَهُم قَاصِراتُ الطَّرفِ عِيْن كأنّهُنَّ بَيْضٌ مَكنُون”قاصِراتُ الطّرفِ أي قَصَرْنَ الطّرفَ على أزواجِهنّ لا يمتَدُّ طَرْفُهُنَّ إلى أجنَبي.

كأنّهُنّ اليَاقُوتُ والمَرجَان“إشَارة إلى صفَائهِنّ في الجنّة.

إنّ التّشبِيهَ لبَيانِ مُشَابهَة جِسْمهِنَّ باليَاقُوتِ والمَرجَان في الحُمرةِ والبيَاض.

مَقصُورَاتٌ في الخِيام“فالحُورُ يَكُنَّ في بُيوتٍ وعندَ الانتقالِ إلى المؤمنينَ في وقتِ إرادَتهم لهنّ تَسِيرُ بهِنّ للارتحالِ إلى المؤمنينَ خِيام،وللمؤمنينَ قُصُورٌ، تَنزِلُ الحُورُ مِنَ الخِيام إلى القُصور.

وقال السيوطي في الدّر المنثور وأخرجَ ابن أبي شيبة والبيهقي في البعثِ عن ابن عباس رضي الله عنهما “حُور مَقصُورات في الخيام“قال خِيام اللؤلؤ، والخَيمةُ مِن لؤلؤةٍ واحِدةٍ مجَوّفَة أربعةُ فَراسخ،لها أربعةُ ءالافِ مِصْراع مِن ذهَب”

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والبيهقي في البعث والنشور عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال“الخيمَةُ مِن دُرّة مجَوَّفةٍ طُولها في السماء سِتونَ مِيلا في كلِّ زَاويةٍ منها للمؤمِن أهلٌ لا يرَاهُمُ الآخَرُونَ يَطُوفُ علَيهِمُ المؤمن”

“كأنّهُنّ بَيضٌ مَكنُون” مَصُون،شبَّهَهُنّ ببَيضِ النّعَام المكنُون في الصّفَاء، وبها تُشبّه العربُ النّساءَ وتُسَمّيهِنَّ بَيضَات الخُدُور.

وليسَ في الجنّة عَزْبٌ ولا عَزْبةٌ بل كلُّهم يتزوّجونَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:مَا في الجنّةِ أَعْزَب“رواه مسلم. 

“فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطّرفِ لم يَطمِثهُنّ إنسٌ قَبلَهُم ولا جَانّ”

روى السيوطيّ في الدّر المنثور عن مجاهِدٍ أنّه قال لم يَطمِثهُنَّ لم يمسَسْهُنّ .وقال سعيدُ بنُ جُبير لم يَطَأهُنّ .وقال عِكرمةُ لم يُجامِعهُنّ.وقال ابنُ عباس لم يَدنُ مِنهُنّ غَير أزوَاجِهنّ.

وفي تفسير البَحرِ المحيط:لم يَطمِثهُنّ”قال ابن عباس لم يفتَضِضْهُنّ قبلَ أَزواجِهنّ.

قال النّسفِيُّ والطّمث النكاحُ بالتّدميةِ،ومنهُ قيلَ للحَائض طَامِث.

 يقولُ عليهِ الصّلاةُ والسّلام في حديثِه عن الجنة:في مُقَامٍ أبَدِيّ“أي في حَياةٍ دائِمَةٍ لا نهايةَ لها.

وقولُه:في حُبْرَةٍ “أي في سُرورٍ دَائم ،معنَاهُ أَنهم في بُحبُوحَةِ عَيشٍ،أي عَيشُهُم واسِعٌ،لا يُصِيبُهُم فِيها ضِيقٌ،

وكذلكَ لا يَنامُون،لأنهُم لا يَشعُرونَ بتَعَبٍ فِكْرِيّ ولا بتَعَبٍ جِسمَانيّ،مَلأ الله نفُوسَهُم سرُورًا فلا يجِدُ النّومُ مجَالا إليهِم.

وأمّا قولُه:ونَضْرَةٍ“فمَعناه أنّ وجُوهَ أهلِها ناضِرةٌ أي جمِيلةٌ لأنهُم ليسَ علَيهِم فيها كآبةٌ.

ولْيُعلَم أنّ أعظَم نعِيمِ أَهلِ الجنّةِ هوَ رؤيتُهم للهِ عَزّ وجَلّ،فليسَ شَىءٌ أحَبَّ إلى أهلِ الجنّةِ مِن رؤيةِ اللهِ،يَرونَهُ بلا كَيفٍ ولا مَكانٍ ولا جِهةٍ.قالَ اللهُ تَعالى:وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَة إلى ربّها ناظِرَة”

الأولياءُ يَرونَه كلَّ يومٍ مَرّتَين أمّا سَائرُ المؤمِنينَ ففِي الأسبُوع مَرّة.

وفي نهايةِ هذَا الحديثِ قالَ الصّحابةُ لرسُولِ اللهِ:نحنُ المشَمِّرُونَ يا رَسولَ الله”فقا ل: قُولُوا إنْ شَاءَ اللهُ”وذلكَ لِيُعَلّمَهُم التّفوِيضَ إلى اللهِ في أُمُورِهم كُلِّها.فالإنسانُ لا يَنبَغِي أن يَركَنَ إلى نَفسِه،بل اعتمَادُه على ربّهِ،فمَن أرادَ ذلكَ النّعيم المقيمَ فَلْيتّقِ اللهَ بتَأدِيَةِ الواجِباتِ واجتِنابِ المحرَّمات.

وفي صَحيحِ ابنِ حِبّان مِن حَديثِ أبي هُريرةَ رضي الله عنه أنّه قالَ يا رسُولَ اللهِ دُلّني على عَمَلٍ إذا عَمِلتُه دخَلتُ الجنّةَ،فقال:” أَطْعِم الطّعَامَ وصِلِ الأرحَامَ وصَلّ باللّيل والناسُ نِيامٌ تَدخُل الجنّةَ بِسَلام” ففِي هذا الحديثِ بيانُ أنّ مَنْ أَخَذَ بهذِه الخِصَالِ دَخَلَ الجنّةَ بدُونِ عذَابٍ،إحْدَى هَذِه الخِصَال إطعامُ الطّعام والثانيةُ صِلَةُ الأرحَام،فأمّا إطْعَامُ الطّعامِ فإنّهُ يَحصُلُ بهِ الثّوابُ في إطْعامِ المُسلِم والكَافِر لأنّ اللهَ تَباركَ وتَعالى أَثْنى على الذينَ يُطعِمُونَ الطّعامَ فقال:“ويُطعِمُونَ الطّعامَ على حُبّه مِسكِينًا ويَتِيمًا وأَسِيرًا“يعني الأسيرَ الكافر،فليسَ إطعامُ الطّعامِ مَقصُورًا على المسلِم بل يكونُ فيه أجرٌ وثَوابٌ لمن أطعَم الكافرَ أيضًا.

فهنِيئًا لمن عمِلَ لآخِرَتهِ فإنّ نعِيمَ الدّنيا بالنّسبةِ لنَعِيم الآخِرةِ كلا شَىء،فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:مَا الدُّنيا في الآخِرةِ إلا مِثلُ مَا يَجعَلُ أحَدُكُم إصبَعَهُ في اليَمّ فلْيَنظُرْ بمَ يَرجِعُ”رواه مسلم.

ومعناه هذا البَللُ الذي يَعلَقُ بالإصبَع ماذا يكونُ بالنسبةِ لِعُظْمِ البَحرِ،كلا شَىء.

وقد جاء في الحديثِ:“مَوضِعُ سَوطِ أحَدِكُم مِنَ الجنّةِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيا وما عَلَيها“رواه البخاري.

والسّوطُ هو الآلةُ التي تُستَعمَلُ للضّربِ وتكونُ غَالبا مِنَ الجِلد،أي أن المِساحةَ التي يأخُذُها السَّوطُ إذا وُضِعَ على الأرضِ منَ الجنّة خَيرٌ منَ الدُّنيا وما فيهَا.