لا خَلاصَ إلا بالإخلاص إخلاص العمل لله تعالى

Arabic Text By Aug 15, 2010

لا خَلاصَ إلا بالإخلاص

إخلاص العمل لله تعالى


عباد الله، يقول المولى عز وجل في كتابه العزيز :{ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِين لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقيِّمَةِ} صدق الله العظيم.
إخوة الإيمان، إنّ الله جعل الإخلاص شرطا لقبول الأعمال الصالحة، والإخلاص هو العملُ بالطّاعةِ لله تعالى وحدَه أي أن يقصِدَ بعمَلِه مَرضاةَ الله تعالى لا مَدحَ الناس.
والمخلِصُ هو الذي يقومُ بأعمالِ الطّاعة من صلاةٍ وصيام وحج وزكاةٍ وصدقةٍ وقراءةٍ للقرءان وغيرِها ابتغاءَ الثّواب من الله لا  ليَمدحَهُ الناسُ ويَذكرُوه.
فالإنسانُ الذي يريدُ الصلاةَ لا بدّ أن يُخلصَ النية لله تعالى حتى يَنالَ الثّوابَ منَ الله تعالى كذلكَ الصّيام والزّكاة والحجّ وغيرُ ذلك منَ الأعمال التي يتقَرّبُ بها إلى الله تعالى لا بُدّ أن يُخلِصَ الإنسانُ النيةَ فيها لله تَعالى.
لأنّ الله تعالى لا يَقبَلُ العملَ إلا إذا كانَ خَالصًا لهُ تعالى وكانَ هَذا العَملُ مُوافقًا للشّريعة موافِقًا لما جاءَ به سيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، لأنّ النّيةَ والقَولَ والعَملَ كُلّ لا يكونُ مَقبُولا إلا إذَا كانَ مُوافِقًا لشَرع الله تعالى كمَا قال ابنُ رَسلان في زبَدِه :ونِيّةٌ والقَولُ ثم العَملُ
                          بغَيرِ وَفْقِ سُنّةٍ لا تَكمُل
روى الحاكم في المستدرك أنّ رجُلا سألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله الرجلُ يَبتَغِي الأجْرَ والذِّكرَ مَا لهُ؟ قال :” لا شَىءَ لهُ ” (أي الرّجلُ يعمَلُ العَملَ يَبتَغِي الأجرَ منَ الله تعالى ومَدحَ النّاسِ لهُ) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا شىءَ لهُ ” أي لا ثوابَ لهُ بهذا العَمل لأنّه يرِيدُ مَدحَ الناس له ثم سأَل الرّجلُ رسولَ اللهِ مَرّةً ثانيةً فقال يا رسولَ الله الرّجُل يَبتَغِي الأجْرَ والذِّكْرَ ما لهُ؟ فقال :” لا شَىءَ لهُ ” ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنّ اللهَ لا يَقبَلُ مِنَ العَمَلِ إلا مَا كانَ خَالصًا لهً وابتُغِيَ به وجْهُهُ ” أي إنْ نَوى بعَملِ الطّاعةِ الأجْرَ مِنَ الله والذِّكْرَ مِنَ النّاسِ فلَيسَ لهُ مِنَ الثّوابِ شَىءٌ.
وقولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ” وَجْهُه ” أي الثّواب الذي يُعطِيهِ اللهُ تَعالى للمُطِيع المخلِص، فالمرادُ بوَجْهِ اللهِ الثّواب.
وليسَ مَعنى وَجْهِ الله أنّ للهِ وَجْهًا كالمخلوقاتِ كمَا قَالَت المشبّهة فقَد زَعَمُوا أن للهِ وَجْهًا حقِيقيّا فنَسَبُوا لله ما لا يجوزُ لهُ والعياذُ بالله تعالى مِنَ الكُفرِ قالَ ذلكَ أَحَدُ زُعمَائهِم في عَصرنا هذا وهو ابنُ العُثَيمِين النجدي في كتاب يوزِّعُونَه مجّانًا سمَّوه ” شرح لمعَةِ الاعتقادِ الهَادي ” وحَاشَاهُ ربّنا مِنَ التشبيه، وفي هذا الكتابِ ما تَقشَعِرّ منهُ الأبدانُ فإنّ فيهِ :” إنّ اللهَ مُستَقِرٌّ علَى العَرشِ” وقالَ : ” إنّ اللهَ يَضحَكُ على الحقِيقةِ ويَعجَبُ على الحقِيقَةِ ولهُ عَينٌ على الحقِيقَةِ” وغَير ذلكَ والعِياذُ باللهِ مِنَ التّشبِيه.
يقولونَ نحنُ سلَفِيّة والسّلَفُ بَريءٌ مِنهُم، السّلَفُ مَا كانُوا يقولُونَ ذَلكَ بل كانُوا يُنَزِّهُونَ الله عن الجَارحةِ ومُشَابهَةِ المخلُوقاتِ كمَا قالَ الإمامُ الحُجّةُ أبو جَعفَرٍ الطّحاوي من السّلف: ومَنْ وصَفَ اللهَ بمعنى مِنْ مَعاني البشَرِ فقَدْ كفَرَ ” وعندَ ذِكْرِ العَينِ واليَد كانوا يقُولُونَ بلا كيفٍ كمَا وَردَ ذلكَ عن الإمام مَالِكٍ وسُفيانَ وغيرِهما من علَماءِ السّلَف الصالح فهؤلاء خَالَفُوا القرءان والسّنّةَ وعقيدةَ الإسلامِ والمسلمين.

اللهُ تعالى قال في القرءانِ :{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ} وهم يقُولونَ لهُ وجْهٌ على الحقيقةِ. فشَبّهُوا اللهَ بخَلقِه فكَفَرُوا والعياذُ بالله تَعالى مِنَ الكُفر.
فمُرادُ النبيّ أنّ اللهَ يُعطِي الثّوابَ للإنسانِ المؤمِن إذَا كانَ عمَلُه مُوافِقًا للشّريعةِ وكانَت نِيّتُه خَالصَةً للهِ تَعالى.
أمّا الذي يَعمَلُ عمَلَ الطّاعةِ وتَكُونُ نِيّتُه غَيرَ خَالِصَةٍ للهِ تَعالى فهَذا هو المحرومُ مِنَ الثّواب، هذَا لا ثَوابَ لهُ مِنْ عمَلِه هَذا وعَليه إثم، ذَنبٌ كبِير مِنْ كبَائِر الذّنوب هو ذنبُ الرِياءِ.
والرِّياءُ هو العمَلُ بالطّاعةِ طَلَبا لمحمدَةِ النّاس، فمَنْ عَمِلَ عَمَلَ الطّاعَةِ وكانَت نِيّتُه أن يمدحَهُ النّاسُ وأنْ يَذكُروه بأفعَالِه فلَيسَ لهُ ثوابٌ على عمَلِه هَذا.
بعضُ النّاسِ يُكثِرُون مِنَ التّنَفُّل أو الذِّكْر وحَمْل السُّبْحَة ويقلِّلُون الطعَامَ أمَامَ النّاسِ حتى يقُولَ عَنهُمُ النّاسُ بأنهم مِن الصّالحِينَ أو صُوفِيّة وهُم لا يَعرِفُونَ مِنَ الصّوفِيّةِ إلا الاسمَ والرّسْم فهؤلاءِ لا ثوابَ لهم في أعمَالهمْ هذِه لأنهم ما قَصدُوا بها وجْهَ الله تعالى فحُرِمُوا منَ الثّوابِ والعياذُ بالله منَ الرِّياء والشّرك.
وقَد سمّى الرسولُ صلى الله عليه وسلم الرياءَ بالشِّركِ الأصغَر، فالرّياء ليسَ كُفرًا يَنقُل عن الملّةِ لكن ذَنبُه عظِيمٌ لذلكَ شَبّهَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالشِّرك .
رَوى الإمام مسلم والإمامُ أحمد والإمامُ النَّسائي أنّ رسولَ الله قالَ : إنّ أوَّلَ الناسِ يُقضَى علَيهِ يومَ القِيامةِ رَجُلٌ استُشهِدَ فأُتيَ بهِ فعَرّفَهُ (أي الله ) نِعمَتَهُ فعَرفَها قالَ فمَا فعَلتَ فيها ؟ قالَ : قَاتَلتُ فِيكَ حتى استُشهِدتُ قال: كذَبتَ ولكنّكَ قاتَلتَ ليُقالَ جَرِيء فقَد قيلَ ذلكَ ثم أُمِرَ به فسُحِبَ على وجْهِه حتى أُلْقِيَ في النّار.
ورَجُلٌ تعَلَّمَ العِلمَ وعَلِمَه وقَرأ القرءانَ فأُتي به فعَرّفَه نِعمَتَهُ فعَرفَها قالَ فمَاذا عمِلتَ فيها ؟ قال: تَعلّمتُ العِلمَ وعِلمتُه وقرأتُ فِيكَ القُرءانَ قالَ كذَبتَ ولكنّكَ تعَلّمتَ العِلمَ ليُقالَ عَالم وقَرأتَ القُرءانَ ليُقَالَ هُوَ قَارىء فقَدْ قِيلَ ثم أُمِرَ بهِ فسُحِبَ علَى وجْهِه حتى أُلقِيَ في النّار.
ورَجُلٌ وسّعَ اللهُ علَيهِ وأَعطَاهُ مِنْ أَصنافِ المالِ كلِّهِ فأُتِيَ به فعرَّفَهُ نِعمَتهُ فقال فمَاذَا عمِلتَ فيها قال ما تَركتُ مِن سَبيلٍ تحِبُّ أن يُنفَقَ فيها إلا أَنفَقتُ فيها قالَ كذَبتَ ولكنّكَ فعَلتَهُ ليُقالَ هوَ جَوادٌ فقَد قيلَ ثم أُمِرَ به فسُحِبَ على وجْهِه ثم أُلقِيَ في النّار
.
فالعَاقِلُ الفَطِنُ هو الذي يُخلِصُ النّيةَ لله تَباركَ وتَعالى لأنّ الناسَ لا يَنفَعُوه بشَىءٍ إذَا راءَى لهم بل هو الخَاسِرُ يومَ القيامةِ.
نَسألُ اللهَ أن يجعَلَ أَعمَالَنا خَالصةً لوجْهِه الكريم إذْ لا خَلاصَ إلا بالإخلاص.