في الردّ على أتباع ابن تيمية

Arabic Text By Feb 01, 2017


في الردّ على أتباع ابن تيمية

روى الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَال: “لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا فَهُوَ عِندَهُ فَوقَ الْعَرشِ: إِنَّ رَحمَتِي ‏غَلَبَت غَضَبِي” رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. والكتابُ هو اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ أَصْنَافِ الْخَلْقِ ‏وَالْخَلِيقَةِ، وَبَيَانُ أُمُورِهِمْ وَذِكْرُ آجَالِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ، وَالأَقْضِيَةُ النَّافِذَةُ فِيهِمْ، وَمَآلُ عَوَاقِبِ أُمُورِهِم، ‏عَلَى أَنَّ الْعَرْشَ خَلْقُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَخْلُوقٌ لا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَمَسَّهُ كِتَابُ مَخلُوقٌ، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ ‏الَّذِينَ هُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ قَد رُوِيَ أَنَّ الْعَرْشَ عَلَى كَوَاهِلِهِمْ وَلَيْسَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُمَاسُّوا الْعَرْشَ إِذَا ‏حَمَلُوهُ وَإِنْ كَانَ حَامِلُ الْعَرْشِ وَحَامِلُ حَمَلَتِهِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى (أي بقدرته تعالى بلا مماسة لتـنزّه الله ‏عن الجارحة والكيف والمكان). وقال البيهقي كذلك: وَلَيسَ مَعنَى قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ اللَّهَ اسْتَوَى عَلَى ‏الْعَرْشِ هُوَ أَنَّهُ مُمَاسٌّ لَهُ أَوْ مُتَمَكِّنٌ فِيهِ أَوْ مُتَحَيِّزٌ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِهِ، لَكِنَّهُ (تعالى) بَائِنٌ مِن ‏جَمِيعِ خَلْقِهِ (بمعنى عدم المشابهة وليس التحيّز لما تقدم قريباً من كلام البيهقي في نفي الحيّز ‏عن الله)، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ جَاءَ بِهِ التَّوْقِيفُ فَقُلْنَا بِهِ وَنَفَينَا عَنْهُ التَّكيِيفَ (مطلقاً كما قال الإمام مالك ‏وهو من رواية البيهقي كذلك: “والكيفُ غير معقول” أي مستحيل عقلاً في حق الله)، إِذْ‎ ‎لَيْسَ ‏كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الشورى، الآية 11).‏اهـ.

فهذا الكلام يفسر ما أضيف إلى الله من الفوقية فهي فوقية قهر وغلبة لا فوقية جهة وحيّز ومكان ‏والعياذ بالله تعالى.‏

وفي الأسماء والصفات للبيهقي كذلك وفيه دليل على أن العلماء استعملوا لفظ “القديم” في أسماء ‏الله تعالى بمعنى الأزلي الذي لا ابتداء له، قال رحمه الله: وَالقَدِيمُ سُبحَانَهُ عَالٍ عَلَى عَرشِهِ، لا ‏قَاعِدٌ وَلا قَائِمٌ وَلا مُمَاسٌّ وَلا مُبَايَنٌ عَنِ الْعَرْشِ، (يريد البيهقي بذلك تنزيه الله عن الجلوس و) الاعتِزَالِ ‏والتَّبَاعُدِ لأَنَّ المُمَاسَّة وَالْمُبَايَنَة الَّتِي هِيَ ضِدُّهَا، وَالْقِيَام وَالْقُعُود مِن أَوصَافِ الأَجسَامِ، وَاللَّهُ عَزَّ ‏وَجَلَّ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِد وَلَمْ يُولَد وَلَم يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَلا يَجُوزُ عَلَيهِ (تعالى) مَا يَجُوزُ عَلَى ‏الأَجسَامِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَحَكَى الأُسْتَاذُ أَبُو بَكرِ بنُ فورَك هَذِهِ الطَّرِيقَةَ عَن بَعْضِ أَصْحَابِنَا ‏‏(الأشاعرة أهل السنة) أَنَّهُ قَالَ: استَوَى بِمَعنَى عَلا، ثُمَّ قَالَ: وَلا يُرِيدُ بِذَلِكَ عُلُوًّا بِالْمَسَافَةِ ‏وَالتَّحَيُّزِ وَالْكَونِ فِي مَكَانٍ مُتَمَكِّنًا فِيهِ..، وَأَنَّهُ (تعالى) لَيْسَ مِمَّا يَحوِيهِ طَبَقٌ أَوْ يُحِيطُ بِهِ قُطْرٌ.‏

وفي الأسماء والصفات كذلك: إنّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلى عَرْشِهِ وَإنَّهُ فَوقَ الأَشْيَاءَ بَائِنٌ مِنْهَا (أي لا يشبهها) بِمَعنَى أَنَّهَا ‏لا تَحُلُّهُ وَلا يَحُلُّهَا، وَلا يَمَسُّهَا وَلا يُشبِهُهَا، وَلَيْسَتِ الْبَيْنُونَةُ بِالْعُزْلَةِ تَعَالَى اللَّهُ رَبُّنَا عَنِ الْحُلُولِ ‏وَالْمُمَاسَّةِ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَفِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ الأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورِ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ كَثِيرًا مِن مُتَأَخِّرِي ‏أَصحَابِنَا (الأشاعرة أهل السنة) ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الاسْتِوَاءَ هُوَ الْقَهرُ وَالْغَلَبَةُ (قال تعالى: “وهو ‏القاهر فوق عباده” فالفوقية فوقية قهر لا مكان)، وَمَعنَاهُ أَنَّ الرَّحمَنَ غَلَبَ الْعَرشَ وَقَهَرَهُ (لا ‏بمعنى المغالبة لغيره لأن الله غالب على أمره) وَفَائِدَتُهُ الإِخبَارُ عَن قَهرِهِ (تعالى) مَمْلُوكَاتِهِ ‏وَأَنَّهَا لَمْ تَقهَرهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْعَرْشَ بِالذِّكرِ لأَنَّهُ أَعظَمُ الْمَمْلُوكَاتِ فَنَبَّهَ بِالأَعلَى عَلَى الأَدنَى، ‏قَالَ: وَالاسْتِوَاءُ بِمَعْنَى الْقَهرِ وَالْغَلَبَةِ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ. انتهى كلام البيهقي وهو واضح الدلالة ‏في تنزيه الله عن الكيفية والمكان والكيف والعزلة في الحيّز، وعلى ذلك يُحمل ما ورد في ذلك ‏ومثله من كلام السلف، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.‏