حُبّبَ إليَّ مِن دُنيَاكُم النّساءُ والطِّيبُ وجُعِلَتْ قُرّةُ عَيني في الصّلاةِ”

Arabic Text By Sep 17, 2010

حُبّبَ إليَّ مِن دُنيَاكُم النّساءُ والطِّيبُ وجُعِلَتْ قُرّةُ عَيني في الصّلاةِ

قال شيخنا رحمه الله رحمة واسعة

الحمدُ للهِ ربِّ العَالمينَ لهُ النِّعمةُ ولهُ الفَضلُ ولهُ الثّناءُ الحسَن والصّلاةُ والسّلامُ على سيِّدِنا محمّد وعلى جميعِ إخوانِه النّبِيّين

أمّا بعدُ فقد رَوينا بالإسنادِ المتّصِل في كتابِ المستَدرَك للحَاكِم أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ:حُبّبَ إليَّ مِن دُنيَاكُم النّساءُ والطِّيبُ وجُعِلَتْ قُرّةُ عَيني في الصّلاةِ”

هذا الحديثُ مَعناهُ قَلبي يميلُ مِنْ حَيثُ الطَّبعُ لَيسَ مِن حَيثُ التّعَلُّقُ إلى النّساءِ والطّيبِ أي العِطر،قالَ:وجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْني في الصّلاةِ”أي أنّ اللهَ جَعلَ أَعظَمَ فَرحَتي ولَذَّتي في الصّلاة،مَعناهُ أَلتَذُّ بالصّلاةِ أَكثَر مِن كُلِّ شَىء،أمّا حُبُّه للنّساء فهذا حُبٌّ طَبِيعِيٌّ،كذَلكَ الطِّيبُ قَلبُه لا يَتعَلّقُ بهِ لكنْ يمِيلُ.

وهكَذَا كلُّ الأنبياءِ حتى لَو كانَ بَعضُ الأنبياءِ عِندَهُ نِساءٌ كثِيرٌ فغَرضُهم تَكثِيرُ نَسلِ المسلمِينَ ولِحِكَمٍ أُخْرَى كتَكثِير نَسلِ مَن يُقاتِلُ الكُفّارَ في سَبِيلِ الله،كمَا فعَلَ سُلَيمانُ علَيه السّلام،

سيدُنا سليمانُ عليه السلام كانَ عندَهُ ألفُ بيتٍ مِنَ الزُّجَاجِ وكانَ عِندَهُ أَلفُ امرأَةٍ،ثَلاثُمائةِ مَهْريّةٍ وسَبعُمِائة مِلْكُ يمين،وإنما جمَعَ هَذا العَددَ الكثِيرَ لأنّهُ كانَ في شَرعِه مُباحًا وكانَ شَديدَ التّعلُّقِ بالجِهاد أرادَ بهذا أن يَطْلَعَ مِن صُلبِه شَبابٌ كثِيرُونَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ الله،وإلا هوَ لا يتَنعّم، وهَكذا كلُّ الأنبياء،كانَ سُلَيمانُ عَليه السّلام يُطعِمُ النّاسَ لُبَّ القَمحِ الصَّافي كُلَّ يَومٍ يُطعِمُ مِائةَ أَلفِ شَخصٍ،وأَحيَانًا سِتّينَ ألفًا،وكانَ يَذبَحُ كلَّ يومٍ مائةَ ألفِ شَاةٍ،أمّا هوَ لنَفسِه يأكلُ اللَّبَنَ الحامِضَ.

التّنعُّمُ جَائزٌ لكنْ أهلُ اللهِ يَترفَّعُونَ عَنهُ،الذي يَترُك التّنعُّمَ يُواسِي غَيرَه،إذا رأَى فقِيرًا يُواسِيْه،أمّا الذي يَتنَعّمُ يَخشَى إن تَصدَّقَ أن يَذهَبَ عَليهِ تَنعُّمُه،لذلكَ الأنبياءُ لا يتنَعَّمُونَ حتى لا يَقتَدِيَ بهم أُممهُم في ذلكَ.

أمّا سيّدُنَا محمّدٌ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلّم بَعدَما هَاجَرَ عَدّدَ الزّوجَات،أمّا قَبلَ أَن يُهاجِرَ مَا كانَ تَزوّجَ إلا خَديجَة،تَزَوّجَ وعمُرُه خمسَةٌ وعِشرُونَ وخَديجةُ كانَ عمُرهَا أَربعِينَ سنةً،كانَت امرأَةٌ شَريفَةٌ ولَبِيبَةٌ،هيَ ذَكَرَتْهُ ورَغِبَتْ بزِواجِه ثم بَعضُ النّاسُ قالَ لهُ خَديجةُ تَذْكُرُكَ بالزِّواج فوَافَقَ،ولم يتَزَوّج غَيرَها إلى أنْ صَارَ عُمرُه خمسِينَ،مَا تزَوّجَ غَيرَها حتى مَاتَت وكانَ هوَ أَجمَلَ النّاسِ.

ثم التّعديدُ لأجلِ غَرضٍ دِيْني وهوَ أنْ يَنشُرَ عِلْمَ الأحكامِ ولاسِيّمَا التي تَتعلّقُ بالنِّساءِ كالحيضِ والنِّفَاس لأنّ النِّساءَ قَد يَستَحِينَ أن يتَعلَّمْنَ هذِه الأحكامَ مِنَ الرِّجَال أمّا مِنَ النِّساءِ فهوَ سَهلٌ علَيهِنَّ،لأجلِ هَذا عَدّدَ سيِّدُنا محمّدٌ النِّساءَ،ليسَ لتَعلُّقِ قَلبِه بالنِّساء،فمَن قالَ عن الرسولِ (نِسْوَنجِي) فهوَ كافِر.

ومما يَدُلُّ على أن سيّدَنا محمّدًا غَيرُ مُتعَلِّقِ القَلبِ بشَهوةِ النِّساء أنّ عائِشَةَ كانَت أَحدَثَ نِسائِه سِنًّا وكانَ في دَورِها يخرُج إلى الجبّانَةِ يَدعُو لأهلِها،كلَّمَا كانَ دَورُ عَائشَةَ رضيَ اللهُ عَنها هَكذا كانَ يَفعَلُ.

وكذلكَ امرأَةٌ عرَضَت علَيهِ بِنتَها وصَفَتْها بالحُسْنِ حتى قالَت إنها لا تَعرِفُ المرَضَ حتى الصُّدَاع،فقال” لا حَاجةَ لي فِيهَا“لأنّ المسلِمَ الذي لا تُصِيبُه المصَائبَ حَظُّهُ قَلِيلٌ أمّا المسلمُ الذي تَكثُر عَليهِ المصَائبُ هَذا أَعْلَى دَرجَةً لذَلكَ الأنبياءُ هُم أَكثَرُ النّاسِ بَلاءً.

ءادمُ علَيهِ السّلامُ كانَ في الجنّةِ التي لا نَكدَ فِيهَا مَا كانَ يَلقَى فيها أَذًى،لا أذَى حَرِّ الشّمسِ ولا أَذَى البَردِ ولا جُوعًا ولا عَطَشًا،ورائحَتُها طَيِّبَةٌ،ثم أَنزَلَهُ اللهُ إلى أَرضٍ مَكشُوفَةٍ ليسَ فِيهَا بيتٌ لهُ،ثمّ قَاسَى مَا قَاسَى،ثم عَلّمَهُ اللهُ كيفَ يَزرَعُ القَمحَ وكيفَ يحصُد،وعَلّمَه كيفَ يَستَخرِجُ الذّهَب والفِضّةَ وكيفَ يَعمَلُ مِنهَا عُملَةً،وعَلّمَه أصُولَ المعِيشَةِ،كذلكَ سيّدُنا نُوحٌ بَقِيَ تِسعَمائةٍ وخمسِينَ سَنةً يَدعُو قَومَه للإسلامِ وهُم يَسُبُّونَهُ ويَشتُمونَهُ وأَحيانًا يَضرِبُونَهُ فيَقَعُ عَلى الأرضِ مَغشِيًّا علَيهِ،صَبرَ عَلى هذا مِئاتِ السِّنين،كذَلكَ سيِّدُنا إبراهيمُ قَاسَى مَا قَاسَى في حَياتِه،كذلكَ سيّدُنا محمّدٌ ماتَ لهُ سِتّةُ أَولادٍ في حَياتِه ثَلاثَةٌ مِنَ الذُّكورِ مَاتُوا وهُم صِغَارٌ وثَلاثُ بنَاتٍ مِتنَ في حَياتِه إلا فاطِمة،فاطمةُ تَأخّرت عَنه سِتّةَ أَشهُر،ولقِيَ صلّى اللهُ علَيهِ وسلّم مِن قَومِه مَا لقِيَ حتى أَخرَجُوه مِن بلَدِه،وكانَ في بلَدِه يُسَبُّ.

قَبلَ أنْ يَدْعُوهُم إلى الإسلامِ كانُوا يُحِبُّونَهُ ويُسَمُّونَه الأمِين،لم تُجَرَّبْ علَيهِ كَذْبَةٌ واحِدَةٌ،ثم لما دعَاهُم إلى الإسلام شَقَّ عَليهِم أن يَسُبّ دِينَهُم،صَعُبَ عَليهِم،حتى عشِيرَتَهُ ومِنهُم عَمُّه أبو لهب كانَ يَسُبُّه ويؤذِيْهِ،لأنّهُ طَلَبَ مِنهُم تَرْكَ الكُفرِ إلى عِبادَةِ اللهِ.

ثم إنّ أَصلَ السّعادَةِ مَعرفةُ اللهِ والإيمانُ بنَبِيّه،لا سَعادةَ بغَيرِ ذلكَ،مَعرفةُ اللهِ كمَا يجِبُ والإيمانُ برسُولِه هَذا أَصلُ السّعادَةِ،بهذا يَنجُو الإنسانُ مِنَ العَذابِ الدّائِم في الآخِرةِ وبهذا يُنالُ الدَّرجَاتُ العُلَى،ثم إنّ مَعرفَةَ اللهِ لَيسَ بمجَرّدِ أن يَقُولَ القَائلُ لا إلهَ إلا اللهُ محمّدٌ رسُولُ اللهِ،بلْ مَعرفَةُ اللهِ يجِبُ أن تكونَ كمَا يُفهَمُ مِن هذِه الآيةِ:ليسَ كمِثلِه شَىءٌ”فهوَ تَباركَ وتَعالى مَوجُودٌ ليسَ لوجُودِه ابتدَاءٌ،أمّا غَيرُه كُلُّ أَصنَافِ العَالم مَا كانَ مَوجُودًا،أَوجَدَهُ اللهُ،واللهُ سُبحَانَهُ وتَعالى ليسَ ذَاتًا كثِيفًا ولا لطِيفًا،لا يُشبِهُ المخلُوقَاتِ قالَ تَعالى:ليسَ كمِثلِه شَىء“هذِه الآيةُ أمُّ القُرءانِ، إليهَا تُردُّ كُلُّ الآياتِ المتشابهةِ،وهذِهِ العَقِيدةُ هيَ التي دَعَا إليهَا جمِيعُ الأنبياءِ والمرسَلِينَ صَلواتُ اللهِ وسَلامُه علَيهِم أَجمعِين.

واللهُ سُبحانَه وتعالى أعلَمُ وأَحكَم.