يقول الله تعالي في محكم تنزيله: الله أعلم حيث يجعل رسالته

Arabic Text By Aug 15, 2010

يقول الله تعالي في محكم تنزيله: الله أعلم حيث يجعل رسالته” [الأنعام: 124].

يقول الإمام النسفي في تفسيره: الله أعلم بمن يصلح للنبوة. ويقول الإمام القرطبي في تفسيره: الله أعلم بمن هو مأمون عليها ويقول صاحب صفوة التفاسير: الله أعلم من هو أهل للرسالة فيضعها فيه. وقد وضعها الله تعالي فيمن اختاره لها وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو وحده الذي يستطيع أن يتحمل أعباء الرسالة
وهو وحده الذي يستطيع أن يحمل تبعات الدعوة علي ما هي عليه من الثقل والصعوبة والمسئولية يقول الحق سبحانه: “إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا” [المزمل] يقول المفسرون: أي سننزل عليك يا محمد كلاما عظيما جليلا له هيبة وروعة وجلال لأنه كلام الملك العليم العلام. ويقول الإمام الرازي في تفسيره: المراد كونه ثقيلا هو عظم قدره وجلالة خطره. وكل شيء نفس وعظم خطره فهو ثقيل. ويقول ابن عباس رضي الله عنهما: كلاما عظيما فلذلك نجد المشركين يقولون لو أنزل هذا القرآن علي رجل عظيم كبير في مكة أو الطائف. قال المفسرون: يعنون الوليد بن المغيرة في مكة وعروة بن مسعود الثقفي في الطائف. لقد استبعدت قريش نزول القرآن علي اليتيم واقترحوا أن ينزل علي أحد الرؤساء والعظماء. ظنا منهم أن العظيم هو الذي يكون له مال وجاه. وفاتهم أن العظيم هو الذي يكون عند الله عظيما.
إنهم يعتبرون مقياس العظمة أمرين الجاه والمال وهذا رأي الجاهلين في كل زمان ومكان. لقد حكي الحق سبحانه حالهم في كتابه العزيز فقال “وقالوا لولا نزل هذا القرآن علي رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا” [الزخرف: 3231] يقول المفسرون: أهم يمنحون النبوة ويخصون بها من شاءوا من العباد حتي يقترحوا أن تكون لفلان الغني أو فلان الكبير في الناس. نحن أي الحق سبحانه بحكمتنا جعلنا هذا غنيا وهذا فقيرا وفاوتنا بينهم في الأموال والأرزاق. وإذا كان أمر المعيشة وهو تافه وحقير لم نتركه لهم. فكيف نترك أمر النبوة و هو عظيم وخطير لأهوائهم ومشتهياتهم» إن أمر النبوة أمر رباني لا يأتي بالاجتهاد والسعي إليه. فالحق سبحانه وتعالي اختار هذا النبي الكريم الذي يقول:أنا سيد ولد ءادم و لا فخر. 
وإذا قال قائل: إن عبدالله ومن قبله عبدالمطلب لم يؤمنوا بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم نقول: إنهم أهل الفترة أما عبدالله فقد مات والنبي صلىالله عليه وسلم مايزال جنين ا في بطن أمه. بينما مات عبدالمطلب والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتجاوز الثامنة من عمره والدعوة النبوية بالرسالة الإلهية تأتي علي رأس الأربعين وكذلك أجداد النبي صلى الله عليه وسلم فهم أيضا من أهل الفترة الذين قال الحق تعالي عنهم “وما كنا معذبين حتي نبعث رسولا” [الإسراء: 15]
  
ومن هؤلاء قصي بن كلاب وقيل: الذي كان يجمع الناس في يوم العروبة “الجمعة” فيأمرهم بتعظيم بيت الله الحرام.
 وقصي بن كلاب كان اسمه زيدا قبل أن يخرج به زوج أمه ربيعة ابن حرام زعيم قبيلة “عُذرة” ومن هنا جاءت تسميته قصيا أي أقصي عن مسقط رأسه. وقضي قصي أكثر من عشرين عاما في قبيلة زوج أمه ثم قدم مكة وهو شاب فتزوج من جيّ بنت حليل الخزاعية التي كان أبوها صاحب الولاية علي البيت الحرام وكان زعيم خزاعة. وآلت ولاية البيت الحرام لقصي حيث إنه استغاث بإخوته من أمه وكان زعيم قبيلة “عذرة” هو رزاح بن ربيعة أخاه من أمه كما هب لنجدته في حربه المقدسة تلك بنو كنانة وقضاعة ومن حول مكة من قريش حتي أجلي خزاعة عن الكعبة واستقل هو بولاية البيت. وكان قصي بن كلاب في قومه سيدا مطاعا وزعيما معظما فقد جمع قريش من متفرقات مواضعهم من جزيرة العرب. واستعان بمن أطاعه من أحياء العرب علي حرب خزاعة وكان بينهم قتال ودماء ثم تداعوا إلي التحكيم فتحاكموا إلي يعمر بن عوف بن كعب بن عامر الكناني فحكم بأن قصيا أولي بالبيت من خزاعة. وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر موضوع تحت قدميه. بمعني أن لا دية لهم عند قصي فيما قتل منهم وأن ما أصابته خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤداه. وكانت خلاصة التحكيم أن يخلّي بين قصي وبين البيت الحرام. وبناء علي ذلك ولي قصي البيت. وأمر مكة. وجمع قومه من منازلهم إلي مكة وتملك علي قومه وأهل مكة فملكوه وقد أمّر العرب علي ما كانوا عليه لأنه يري ذلك دينا لا ينبغي تغييره فأقر آل صفوان وعدوان والنسأة ومرّة بن عوف علي ما كانوا عليه حتي جاء الإسلام فهدم الله تعالي به ذلك كله. فكان قصي أول بني كعب أصاب ملكا أطاع له به قومه. وكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف قريش وقطع مكة رباعا بين قومه فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة. يقول صاحب المعجم: الحجابة هي رعاية البيت والقيام علي خدمته. والسقاية هي سقي الحجيج الماء وقد نبذ فيه الزبيب. والرفادة هي ما كانت قريش تخرجه في الجاهلية من أموالها تشتري به طعاما وشرابا لفقراء الحجاج في الموسم والندوة هي دار بناها قصي بن كلاب في الجاهلية يجتمع فيها أهل مكة للبحث والتشاور. واللواء هو العلم وهو دون الراية يرفعه سيد من سادات القوم متقدما في الحرب نحو العدو وبتملك قصي رجع الحق إلي أهله واستقرت بقريش الدار. وأنزل قصي قبائل قريش أباطح مكة وأنزل طائفة منهم ظواهرها فكان يقال قريش البطاح وقريش الظواهر. فكانت لقصي بن كلاب جميع الرئاسة وبني دارا لإزاحة الظلمات وفصل الخصومات سماها دار الندوة إذا اعضلت قضية اجتمع الزعماء من كل قبيلة وتشاوروا فيها حتي يفصلوها ولا يعقد لواء ولا عقد نكاح إلا بها وكان باب هذه الدار إلي المسجد الحرام. ثم صارت فيما بعد إلي حكيم بن حزام رضي الله عنه بعد بني عبدالدار فباعها في زمن معاوية رضي الله عنه بمائة ألف درهم فلامه معاوية علي بيعها وقال له: بعت شرف قومك بمائة ألف. فقال حكيم: إنما الشرف اليوم بالتقوي. والله لقد اشتريتها في الجاهلية بزّق خمر. وها أنا قد بعتها بمائة ألف وأشهدكم أن ثمنها صدقة في سبيل الله.

يقول ابن اسحاق: لقد فرض قصي علي قومه إطعام الحجيج أيام الموسم حيث قال: يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل مكة وأهل الحرم. وإن الحجاج ضيوف الله وزوّار بيته وهم أحق بالضيافة فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج حتي يصدروا عنكم. فكانوا يخرجون لذلك في كل عام من أموالهم قيمة معينة فيدفعونها إليه فيصنعها طعاما للناس أيام الموسم فجري ذلك من أمره في الجاهلية حتي قام الإسلام. ثم جري في الإسلام إلي يومنا هذا بل وإلي قيام الساعة. حيث تجد الموائد والسبل وكلها في سبيل الله تعالي وتقربا إليه تقدم لغير المستطيع من حجاج بيت الله الحرام. ويصيب منها المقتدر وغير المقتدر. ولما فرغ قصي من حربه واستقرت الأمور علي النحوالذي أراد انصرف أخوه رزاح بن ربيعة بمن معه إلي بلاده ولما كبر قصي فوضّ أمر هذه الوظائف التي كانت إليه من رئاسات قريش وشرفها إلي ابنه عبدالدار وإنما خصه بذلك لأن إخوته الثلاثة عبد مناف وعبدالعزّي حازوا الشرف في زمن أبيهم فأحّب قصي أن يلحق بهم أخاهم عبدالدار في السؤدد فخّصه في ذلك. فكان إخوته لاينازعونه هذا الشرف فلما مات تشاجر أبناؤهم مع أبناء عمهم عبدالدار وقامت بينهم اختلافات كبيرة ومشاحنات ومساجلات شملت قريشا كلها حتي تصالحوا علي أن تكون الرفادة والسقابة لبني عبدمناف وأن تستقر الحجابة واللواء والندوة في بني عبدالدار فانبرم الأمر علي ذلك واستمر.
ومما يجدر ذكره أن حليل بن حشية الخزاعي هو آخر من ولي البيت من خزاعة. وسميت خزاعة كذلك لأنهم تخزعوا عن ولد عمرو بن عامر حين أقبلوا من اليمن يريدون الشام فنزلوا بمّر الظهران فأقاموا فيها. يقول صاحب المعجم خزع عن أصحابه كان معهم في مسير فتأخر عنهم.