درس عن ليلة القدر
الحمدُ للهِ ربِ العالمين والصلاةُ والسلامُ على رسول اللهِ محمد وعلى ءاله وصحبه أجمعين.
قال اللهُ تبارك وتعالى ﴿إِنَّآ أَنزَلنَاهُ فِي لَيلَةِ القَدرِ﴾ سورة القدر / 1.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أُنزل القرءان ليلة القدر ليلة أربعٍ وعشرينَ من رمضان وأُنزلت التوراة لست ليالٍ مضين من رمضان وأُنزل الإنجيل لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان“. رواه البيهقي.
لقد “أُنزل القرءان” أي دفعة واحدة في شهر رمضان في ليلة القدر، وكانت ليلة القدر في ذلك العام ليلة أربعٍ وعشرين من رمضان، كما يؤخذ ذلك من الحديث ويُعلَم من هذا الحديث أيضًا أن ليلة القدر ليست خاصة بليلة السابع والعشرين من رمضان بل هي محتملة أن تصادف أول ليلة منه، وقد تكون في أي ليلة فكل ليالي رمضان يجوز أن تكون هي ليلة القدر، لكن الغالب أن تكون ليلة القدر في العشر الأخير منه.
والقرءان أول ما أنزل نزل دفعةً واحدة إلى مكانٍ في السماء الدنيا يقال له بيت العزة، ثم صار جبريل يُنزل منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسب الأمر الإلهي شيئًا فشيئًا، وكان نزوله دفعةً واحدة إلى بيت العزة في أول سنةٍ بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم في صبيحة تلك الليلة أُنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم خمس ءايات منه وهي اول سورة العلق، ثم أُنزل بعد ذلك مُفرقًا على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولم ينزل دفعة واحدة واحيانًا كانت تنزل عليه سورة كاملة.
وأما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “فالتمسوها في العشر الأواخر“، أنها في الغالب لا تكون إلا في العشر الأواخر من رمضان. ثم إن ليلة القدر ليست ممّا خصت به أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل كانت أيام الأنبياء السابقين، وإنما الحظ الذي اختصت به أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم وافقوا شهر رمضان في صيامهم، أما من كان قبلهم من الأمم لم يكن رمضان شهر صيامهم، وهذا بعض ما خُصّت به الأمة المحمدية من الفضائل.
فالأمة المحمدية خُصّت بفضائل عديدة منها: أنهم أول أمم الأنبياء دخولاً الجنة فلا تدخل أمة من أمم الأنبياء الجنة قبل دخول أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وخصوا أيضًا بأنهم جُعلوا ءاخر الأمم، وبهذا لا تطلع أمة من الأمم على مساوئهم في الدنيا.
فنحن وبما أننا ءاخر الأمم وجودًا في الدنيا فقد أطلعنا الله على اخبار من قبلنا من الأمم، الله تعالى قصَّ علينا في القرءان الكريم ماذا فعلت أمة موسى عليه السلام من الشر والفساد والأذى لنبيّها موسى عليه السلام، وكذلك قُصَّ علينا ما جرى من الفضائح لبعض الأمم غير أمة موسى عليه السلام.
وأمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يَقطَعهُمُ الله تعالى عن غيرهم من الأمم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنتم مُتمّون سبعين أمةً أنتم خيرها وأكرمها على الله” رواه الترمذي. ومعناه سبقكم سبعون أمةً إلا واحدة، ثم انتم صرتم مُتمّين السبعين، واخبر عليه الصلاة والسلام أنّ أمته خير الأمم وأكرمها على الله تعالى لأن نبيهم افضل الأنبياء، فالله تعالى أكرم نبينا محمدًا بما لم يًكرم به نبيًا من الأنبياء وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين، ولهذا فأمته أفضل الأمم.
الأمم السابقة كان فيهم الصالحون لكن ليس بنسبة ما في هذه الأمة المحمدية، فأمّةُ محمد صلى الله عليه وسلم أكثر فقهاء وأكثر أولياء وإن كانت أعمارهم أقصر من أعمار اولئك، لأن الفضل بتفضيل الله تعالى وليس الفضل بطول العمر، لأنه لو كان الفضل بطول العمر لكان ءادم ونوح عليهما الصلاة والسلام أفضل الأنبياء وكذلك الخضر، الخضر بعض العلماء قالوا: إنه ولي، وبعضهم قال: إنه نبي، وهو ممن رزقهم الله العمر الطويل. فأفضل العالمين على الإطلاق من حيث الأفراد هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم نوح ثم سائر الأنبياء، وأفضل أُمم الأنبياء هي أُمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع إخوانه النبيين والمرسلين.
نسأل الله أن يرزقنا رؤية ليلة القدر يقظةً أو منامًا وأن يرزقنا الإجتهاد بطاعته كل أيام السنة.