الموتُ على حالٍ حسَنةٍ ليس معناه أن يكون الشخصُ قد مات وقد تَرَكَ خَلْفَه الأموال والأولادَ والعَقارات والبيوت والسيارات وغير ذلك وهو لم يُؤَدِّ الواجِبات ولم يَجْتَنِبِ المحرَّمات ولا تَعَلَّم عِلم الدين الذي يَعرِف به الواجبات والمحرَّمات.

Arabic Text By Jun 01, 2017

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى ءاله الطيبين الطاهرين.

أما بعد، فقد قال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفسٍ ذَائقَةُ المَوتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّونَ أُجُورَكُمْ يَومَ القِيَامَةِ فَمَن زُحزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ﴾ [ءال عمران: 185].

ويقول عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [سورة ءال عمران: 102].

وقال سبحانه: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [سورة الحِجْر: 99]، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بخواتيمها”. رواه البخاري.

فالآية الأولى فيها بيانٌ لنا أننا لا شك صائرون إلى الموت والثانية أمرٌ بالثبات على الإسلام والوفاة عليه والثالثة أمرٌ بالثَّبات على عِبادة الله وَحْدَهُ حتى الموتِ والحديثُ يبيّن أن الأعمال بخواتيمها فهنيئًا لِمَن خُتِمَ له بالإيمان والخُسْران لِمَن خُتِمَ له بالكُفر؛ فمَن وُفِّق في أوّل عُمُره وازداد توفيقًا حتى ماتَ على حالٍ حَسَنةٍ فهو مِن أهل السعادةِ في الآخِرة.

والموتُ على حالٍ حسَنةٍ ليس معناه أن يكون الشخصُ قد مات وقد تَرَكَ خَلْفَه الأموال والأولادَ والعَقارات والبيوت والسيارات وغير ذلك وهو لم يُؤَدِّ الواجِبات ولم يَجْتَنِبِ المحرَّمات ولا تَعَلَّم عِلم الدين الذي يَعرِف به الواجبات والمحرَّمات.

ماذا ينفَعُه كلُّ ما تَرَكَ إذا كان ماتَ على حالٍ سيّئة تارِكًا للصلاة والصيام لا يَعْرِفُ الكُفر مِن غيِر الكُفر!

مَن أراد أن يموتَ على حال حسنةٍ لا بُدَّ أن يؤدِّيَ الواجِبات ويَجتَنِبَ المُحَرَّمات، يؤدِّي ما فَرَضَ الله عليه ويجتَنِبَ المعاصي.

لكن كيف يعرِف الشخصُ الواجبات ليَعْمَلَها والمحرَّماتِ ليَجْتنبها إذا لم يتعلَّم؟!

لا بُدَّ من العِلم، وأوّل وأفضلُ وأَوْلَى شىءٍ يتعلَّمه الشخصُ هو العِلم بالله ورَسوله.

فأفضل الأعمال عند اللهِ الإيمانُ باللهِ ورسوله، هذا أفضَل عَمَلٍ ثم تأتي سائر أمور العبادات من صلاة وصيام وحجّ وزكاة وغير ذلك، فمَن لم يَعرِف الله تعالى ولم يؤمِن به هذَا لا يَنفعه شىءٌ من الصلاة والصيام والحجّ وقراءةِ القرءان التي يعملها لأنّه يكون على عقيدة فاسدة.

كثير من الناس يَحفظون القرءان لكن عقائدهم فاسدة لأنّهم لم يتعلَّموا عند العلماء الثِقات ولم يفهموا قولَ الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾

والآية معناها أنَّ اللهَ لا يشبه شيئًا مِن خَلْقِه، هو خَلَقَ المكان والسمٰوات والأرضين والعرش والجنّة والنار فلا يَسكن تِلكَ الأماكن لأنه لا يحتاج إلى شىءٍ مِن خَلْقِه، وكلُّ ما يَحصل في هذا العالم هو بمشيئة الله وقُدرته؛ اللهُ شاءَ حصولَ كلِّ ما يجري في هذا العالم وهو خالِقُ كلِّ شىء، أمّا نحنُ فلا نَخْلُقُ وإنما نَعْمَل، فقَد نَعْمَلُ أعمالًا حسنَةً فيكون لنا ثوابٌ عليها ونَعملُ أعمالًا سيئةً فيكون علينا ذنبٌ. فالله تعالى لا يُشبه شيئًا من المخلوقات، هذا معنى “معرفةِ الله”.

وكذلك يجب اعتقاد أنَّ كلّ أنبياء الله مسلمون جاءوا بدعوة الناس إلى عبادة الله الذي لا شريك له ولا يُشبه المخلوقات، وهم كلُّهم موصوفون بالصِدق والأمانة ولا يُوصَفون بالسفاهة والكَذِب والخِيانة وبلادةِ العقل؛ لذلك مَن شبَّه الله بخلقه أو ذمَّ نبيًّا من الأنبياء هذا لا يكون على عقيدة الإسلام حتى وإن قال هو عن نفسه إنه مسلم، هذا خرَجَ من الإسلام يعني صار من الكافِرين، ويعود إلى الإسلام بالتخلّي عن الاعتقاد الفاسد والنُطق بالشهادتين، لا يقول أستغفر الله أنا أخطأت وينتهي الأمر هنا! لا، إنما الرُجوع إلى الإسلام يكون بالنطق بالشهادتين، ثمّ إن شاء بعد أن عاد إلى الإسلام يقول “أستغفر الله” مرةً أو ثلاث مرات أو مئة مرة أو أكثر.

من قال قولًا كُفرًا كمَن سبَّ الله أو شبَّهه بِخَلْقِه او اعترَضَ على الله أو ذمَّ نبيًّا من الأنبياء أو مَلَكًا من الملائكة كعزرائيل أو غيره أو ذمَّ ءايةً من القرءان أو حُكمًا من أحكام الدِين أو اعتقَدَ أنَّ الله يشبه أحدًا مِن الخَلْق في شىءٍ من الأشياء كأن قال هو في السماء أو فوق العرش أو هو جِسمٌ كبيرٌ فهذا كلُّه كُفْرٌ وضلالٌ أو سَجَد للشمس أو القَمَرِ أو داسَ على المصحفِ فهذا كُلُّه كُفْرٌ والعياذ بالله تعالى.

ويا أحبابنا العبرة بالخواتيم، فَمن كان في شبابه على خير ثم انقلب قبل الموت إلى سُوءٍ وضلال فمات على ذلك هذا من أهل الحِرمان، لا يَنفعه في الآخرة أنه عَمِلَ خيرًا كثيرًا في الدنيا قبل أن يَمُوت على الكفر، هذا ليس له إلا النار والعذاب في الآخِرة إلى ما لا نهاية. فالفلاحُ بأن يَحْفَظَ الشخصُ نفسَه من الشُرورِ والكُفرِ ويَثبُتَ على الإسلام حتى يموت، لهذا قلنا الآيةَ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ فالثباتُ على الإيمان حتى الموت يكون وهذا

الذي فيه النَجاةُ والفلاحُ.

وقد يَحْصُلُ مِن بعض الناس أن كانوا أوَّلَ عُمُرِهم في فسق وكفر وفُجور فيَهديهم اللهُ ويتعلَّمون علم الدين ويتراجعون عمَّا كانوا عليه ويدخلون في الإسلام بالنطق بالشهادتين ثم يموتون على ذلك؛ فهؤلاء موفَّقون ناجُون يوم القيامة يوم الحساب، فالعبرة بالخواتيم، العبرة بالخواتيم، العبرة بالخواتيم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ أحدَكم ليَعْمَلُ بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها” رواه البخاري ومسلم.

اعلموا إخوة الإيمان أنَّ مِن الناس مَن يُعاقبهم الله تعالى بسُوء الخاتِمة بِسَبَبِ شُؤْمِ المعاصي؛ فلا يقول الشخص الآنَ أعملَ المعاصي ثم غدًا أتوب!

قال الحبيبُ المُصطفى عليهِ الصلاةُ والسلام “بادِروا بالأعمال الصالحة فستكونُ فِتَنٌ كَقِطَعِ الليلِ المُظلِمِ يُصبِحُ الرجلُ مؤمنًا ويُمسي كافرًا ويُمسي مؤمنًا ويُصبِحُ كافرًا يبيعُ دينَه بِعَرَضٍ من الدنيا”.

وكَم مِن أناسٍ باعُوا دِينهم ووقَعوا في الكُفر لأجل الدنيا، لأجل المال والمناصب وغير ذلك.

فالحمدُ للهِ على نِعَمَةَ الإسلامِ وعلى بِعثَةِ مُحَمدٍ خيرِ الأنام عليهِ الصلاةُ والسلام.

اللَّهُمَّ اجعلنا من المقبلين على الخيراتِ المبادرينَ إلى الطاعاتِ والمبَّرات، اللَّهُمَّ اجعلنا من عبادك الطاهرينَ المتقينَ المتآخينَ المتحابِّينَ المتوادّينَ؛ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.

اللَّهُمَّ لا تجعل مصيبتنا في ديننا وثبِّتنا على الإسلام يا ربَّ العالمين.