جميعُ الخلائِقِ مقهورونَ بقدرتِهِ، لا تَتَحركُ ذرةٌ إلا بإذنِهِ، ليسَ معهُ مدبرٌ في الخَلقِ ولا شريكٌ في المُلكِ

Arabic Text By Jun 22, 2016


قال المؤلف رحمه الله: “جميعُ الخلائِقِ مقهورونَ بقدرتِهِ، لا تَتَحركُ ذرةٌ إلا بإذنِهِ، ليسَ معهُ مدبرٌ في الخَلقِ ولا شريكٌ في المُلكِ”.

الشرح: أن العرش الذي هو أعظم الأجرام حجمًا مقهور لله تعالى، الله هو الذي خلقه وجعله في هذا المكان المرتفع جدًّا، وهو تعالى الذي يبقيه في ذلك الموضع فلا يخرُّ على السموات والأرض فيدمرها تدميرًا، فما سوى العرش مقهور لله من باب الأولى، قال الله تعالى: ﴿وهو ربُّ العرش العظيم﴾ [سورة التوبة].

وهو سبحانه وتعالى المدبّر لكل شيء، أي هو الذي يصرف الأشياء على مقتضى مشيئته وعلمه الأزليين فلا يحصل في كل العالم حركة ولا سكون إلا بتدبيره عزَّ وجلَّ. هو تعالى مصرّف الأشياء ومصرّف القلوب كيف يشاء، إن شاء أزاغ قلب العبد وإن شاء أقامه كما قال عزَّ وجلَّ: ﴿ونُقَلِّبُ أفئدتهم وأبصارهم﴾ [سورة الأنعام]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك” رواه مسلم والبيهقي.

فلا مدبّر تدبيرًا شاملاً لجميع الخلائق إلا الله، وأما التدبير الجزئي كتدبير الملائكة لأمر المطر والسحاب والنبات على حسب ما أمر الله وشاء في الأزل فيجوز إضافة مثل هذا إلى المخلوق كما قال الله في الملائكة: ﴿فالمدبرات أمرًا﴾ [سورة النازعات].

ثم إذا كان تصريف القلوب بيد الله تعالى، فالأعمال الخارجية هي بالأولى خلقه سبحانه، وليس الأمر كما تقول المعتزلة إن العبد هو يخلق أفعال نفسه، زعموا كاذبين انه ليس الله خالق كل شيء، قبَّحهم الله.

الله تعالى قال: ﴿الله خالقُ كُلِّ شيء﴾ [سورة الزمر] والشيء يدخل تحته الأجسام والجوارح والأفعال، فالعبد ليسَ له إلا أن يكتسب العمل والله يخلقه.

ومعنى يكتسبه يعلق إرادته وقدرته وهما مخلوقتان، والله يخلق هذا الفعل خلقًا أي يحدثه من العدم فيجعله موجودًا، فلا يحصل فعل العبد إلا بإيجاد الله وخلقه.

والعبد الموفَّق برحمة الله وفضله ينظر إلى المعنى الحقيقي لهذه الحركات والسكنات، فأنا إن حركت يدي أشعر بهذه الحركة وبأنني وجهت قصدي لذلك، ولكنَّ العقل والشرع يحكمان بأنني لست خالقها بل هذه الحركة التي قامت بي هي خلق الله وحده لا شريك له.