قال الله تبارك وتعالى: {يَا أيُّها الذِينَ ءامَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أمْوَالُكُمْ وَلا أوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ}

Arabic Text By Jun 09, 2016


قال الله تبارك وتعالى: {يَا أيُّها الذِينَ ءامَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أمْوَالُكُمْ وَلا أوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ}

قال شيخنا رحمه الله تعالى رحمة واسعة ونفعنا به وأمدنا بأمداده:

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الطاهرين أما بعد فقد قال الله تبارك وتعالى: {يَا أيُّها الذِينَ ءامَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أمْوَالُكُمْ وَلا أوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ} [سورة المنافقون ءاية 9] الذكر هنا معناه طاعة الله، أي لا تُلهِكُم أموالكم ولا أولادُكم عمّا فرضَ الله عَلَيكُم من أمر الدّين، فالذي تمنَعُه أولادُه أو أموالُه عن طاعةِ الله تبارك وتعالى فهو من الخاسرين، إنّما ذكر الله تباركَ وتعالى هذين لأنَّهُمَا أعظمُ الشَّواغِل، أعظم ما يَشغَلُ الناس عن طاعة الله تبارك وتعالى الأموال والأولاد. كثير من الناس يعصُون ربّهُم من أجل أموالهم، يقعون في الكبائر والصّغائر من أجل المال، ومنهم من يَعصي الله تبارك وتعالى بالكبائر والصغائر لأجل الأولاد، لأجل أولاده، فكلا الفريقين من الهالكين في الآخرة، لذلك يجب على الإنسان أن يعرف ما أحلَّ الله من المال وما حرّم، ويجبُ عليه أن يعرف ما يعامل به أولادَه، لأنّ معامَلَة الأولاد في أشياء حقٌّ دينيٌّ، وأما في أشياء فهي معصيةٌ لله تباركَ وتعالى، وقد صحّ عن رسول الله ﷺ أنّ العَبَدَ لا تَزُولُ قدَمَاهُ يومَ القِيامَة، أي عن الموقف، حتى يُسأل عن أربَع، عن أربعة أشياء، قال عليه الصلاة والسلام: “لا تَزُولُ قَدمَا عَبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عُمرِهِ فيما أفناه وعن جِسمِه فيما أبلاه وعن مالِهِ من أين اكتسَبه وفِيما أنفَقَه وعن علمِهِ ماذا عَمِل به” رواه الطبراني في المعجم الكبير، هو سؤال يوم القيامة عن هذه الأشياء، فيما أفنيتَ عُمركَ فمن الناس من أفنَوا أعمَارَهُم في طاعة الله، من أوّل سرِيرتهم إلى إبَّانِ موتِهم، هؤلاء من السّابقين أي من أهل الدرجات العُلى الذين يرفعهم الله تعالى فوق عبادِه درجات، ومنهم من يُفنِي كثيرًا من عمره في معاصي اللهِ تباركَ وتعالى ثمّ يتوبُ قبلَ أن يموت توبةً نَصوحًا أي يتوب من جميع الذّنوب فيأتيه الموتُ وهو تائب ليس له ذنبٌ إلا وقد تاب منه قبل أن يموت، وهؤلاء أيضًا من النّاجين، من السّالمين، ليس عليهم عذابٌ في قبورهم ولا في ءاخرتهم، والصِـّنفُ الآخر من النّاس من هو على خلافِ ذلك، فمِن هؤلاء من أضاع عمره في معاصي الله تعالى فهؤلاء أعظمُ النّاسِ خطرًا في الآخرة. وهناكَ صِنفٌ ءاخرون من البشر وهم الذين أضاعوا قِسمًا من أعمارهم في طاعة الله ثم خُتِمَ لهم بحالةٍ سيّئةٍ أي وهم مسترسلون في معاصي الله، كانوا قبل ذلك غيرَ مسترسلين في المعاصي ثم غَطَسُوا في المعاصي حتى ماتوا وهم على هذه الحال وهؤلاء من أسوأ الناس حالاً في الآخرة، وقسمٌ من الناس أفنَوا كثيرًا من أعمارهم في المعاصي ثم قِسمًا كبيرًا في طاعةِ الله تعالى، وهؤلاء أحسَنُ حالا من كثير من غيرهم. وأمّا الجسم فيجب على الإنسان أن لا يُصَرّفَ جسمه في معاصي الله تبارك وتعالى كهؤلاء الذين يقاتلون النّاسَ في غيرِ سبيل الله تبارك وتعالى فتصيبهُم جروح وعَطَبٌ في بعض أجسادهم وهم لا يقاتلون في سبيل الله، بل كانوا يقاتلونَ النّاس في سبيل أهوائِهم، هؤلاء كلُّهم خاسرون، وأمّا القِسم الذين يحفَظُون أجسامَهُم عن تصريفها في معاصي الله تعالى ويقتصرون على تصريفها في طاعةِ الله وما أحلَّ الله تعالى من الأمور المُبَاحة فهؤلاء ناجُون سالمون يكونون من أهل الدّرجات العُلَى، وأما الأموال فالأموال قِسمان مالٌ مذموم ومالٌ ممدوح، المالُ المذموم فهو المال المجلوبُ من طريقٍ حرام كالذين يكتسبون المالَ من الرّبا، الرّبا هو أن يُقرضَ الإنسانُ مالَهُ مع شرطِ الزّيادة كأن يُقرضَ الألفَ على أن يُردَّ له الألفُ مع شىءٍ من الزيادة قَلَّت أو كَثُرت، هذا مالٌ محرّم، وبالٌ على صاحبه يومَ القيامة، يُعَذَّبُ على ذلك أي على جمعه المال من الطريق الذي حرَّمَهُ الله، وكذلك الذي يستولي على مالِ يتيم قريبٍ له أو يتيم غيرِ قريبٍ له، أو يستولي على مال الوقف وليس هو من أهل الوَقفِ المستحقين، هذا أيضًا مالُه حرام يكون وبالاً عليه في الآخرة، فمن جَمَعَ مالاً من حرام كانَ ذلكَ وَبالاً عليه في الآخرة لو تصدَّق به على الفقراء والمسَاكين وقضَى به حاجاتِ المحتاجين أهل الضرورات لا يقبل الله منه لأن الله لا يقبلُ صَرفَ المالِ الحرام في الصدقات أو غيرها في أي وجه كان، لا يقبله الله، فمن دخل في يدِه مالٌ حرام توبتُه ان يَرُدَّ ذلكَ المالَ الحرامَ إن كان ذلك المالُ قائمًا بعينه أي لم يَتلف، لم يتصرف فيه، توبَتُه أن يَرُدَّ ذلك المال إلى اصحابِه المستحقّين له، فإن مات أصحابُه المستحقّون له فإلى ورثتهم، وأما إن تصرّفَ فيه استهلكه وأتلفه وصار لا يمكنُه أن يَرُدَّه إلى مستحقِـّه بعينه فإمّا أن يستسمِحَ صاحبَ الحقّ وإمّا أن يَرُدّ له بدَل ذلك المال الذي أتلَفهُ عليه، فمن فَعَل ذلك معَ النّدَم صار تائبًا لا يعذّبُه الله تعالى في الآخرة من أجل ذلك المال، وأمّا من جَمَعَ المالَ بطريق حلال، مثلاً وَرِثَ من أبيه مالاً كثيراً حلالاً ثم صارَ يصرِفُه في وجوه الحرام فهذا أيضًا مالُه وبالٌ عليه في الآخرة، يُعَذَّبُ بذلك المال الذي صرفَه في الحرام، كالّذي يصرفُ مالَه في الخمور وما أشبهَ ذلك، كذلك الذي يصرف ماله للرّياء حتّى يُقال عنه فلان كريم فلان سخي، يصرف للناس من ماله الحلال ليمدحَهُ الناس هذا أيضًا يستحقُّ عذابَ الله لأنَّ الذي يعمَلُ حسنَة ليمدَحَه النّاس يستحقُّ عذابَ الله، إنما السّالم النّاجي عند الله هو الذي يأخذ المالَ من طريقٍ حلالٍ ويصرفه بطريقٍ حلال، لا يصرفه في الخمور وما أشبه ذلك من المعاصي، ولا يصرف ماله من أجل أن يمدَحَهُ الناسُ، فالذي يُطعم النّاس أو يبني مسجدًا أو مدرسة أو مستشفى من مال حلال حتى يمدحَهُ الناس هذا ليس له ثواب عند الله إلا العقوبة في الآخرة.