الذي لا يؤمن بالقدر كلّه خيره وشره لا يعتَبر مسلماً، لأنّ هذا يرى أنّ للعالم مدَبِّرَيْن: مدبّر خير ومدبّرَ شرّ، وهذا خلاف التوحيد.

Arabic Text By Jul 06, 2015

من إرث الرحمة من علم الفقيه الحافظ الشيخ عبد الله الهرري، قال رحمه الله:

نذكر الآن أثراً عن سيدنا عليٍّ رضي الله عنه في أمر القدَر.

عن عَطاءِ بنِ السَّائِب عن مَيسَرة عن عليٍّ رضي الله عنه أنّه قال: “إنّ أحدَكُم لن يَخلُصَ الإيمان إلى قلبه حتّى يستيقنَ يقينًا غيرَ ظَنّ (اي بلا شك) أنّ ما أصابَه لم يكن ليخطِئه، وأنّ ما أخطأه لم يكن لِيُصيبَه، ويُقِرَّ بالقدر كلّه”، رواه البيهقي في كتاب القدر.

معناه لا يجوز أن يُؤمن ببعض القدَر ويكفر ببعضٍ بل يجب على كل مسلم أن يؤمن بأنّ كل ما يجري في الكون من خير أو شرٍّ، ضلالةٍ أو هدى، عُسر أو يُسر، حُلو أو مُرّ، كلُّ ذلك بخلق الله ومشيئته حدث وكان، ولولا أن الله تعالى شاءَهُ وكوَّنه وخلقه ما حصل.

هذا معنى كلام سيدنا عليّ رضي الله عنه وفيه التصريح بأن كل ما يحدث في الكون من خير وشرّ بلا استثناء فهو بمشيئة الله وتقديره وتكوينه.

هذا أثر عن سيّدِنا عليٍّ رضي الله عنه.

وهناك أثرٌ ثانٍ عن سيّدِنا علي رواه أبو حنيفة عن الهيثم عن الشّعبي عن علي أنه خطب الناس على منبر الكوفة، هو سيدنا عليٌّ رضي الله عنه كان بعدما استخلِف (اي صار خليفة) بالمدينة (المنورة) ذهب إلى العراق فسَكَن الكوفة، خطب الناس على منبر الكوفة فقال: “ليسَ مِنّا من لم يؤمن بالقدَرِ خيرِهِ وشرِّه” رواه البيهقي في كتاب القدر.

معناه الذي لا يؤمن بالقدر كلّه خيره وشره لا يعتَبر مسلماً، لأنّ هذا يرى أنّ للعالم مدَبِّرَيْن: مدبّر خير ومدبّرَ شرّ، وهذا خلاف التوحيد.

لا يجوز عقلاً ولا نقلاً أن يكون للعالم مدبِّران.

لا يكوّن من العدم إلى الوجود بمشيئته وتقديره إلا مدبّرٌ واحدٌ هو يخلق جميعَ ما يجري في الكون.

وأثرٌ ثالث عن عليٍّ رضي الله عنه يرويه عبدُ الرحمن بنُ كعِب بنِ مالك عن عليّ بنِ أبي طالب أميرِ المؤمنين قال ذُكِرَ عندَهُ القَدَرُ يوماً، ذُكر عنده أي عند علي القدر يوماً فأدخل إصبَعه السَّبّابَةَ والوُسطى أدخَلَهُما في فِيه، أي مَسَّهُما بريقٍ، فرقمَ بهما بَاطِنَ يَدِه، فقال “أشهَدُ أنّ هاتَين الرَّقمتَين كانتا في أمِّ الكتاب”، رواه البيهقي.

يريد بذلك أن كلّ حرَكةٍ وسكون يفعلها الإنسان (اي تفصيلا في الدنيا) هي ممّا كُتِبَ في اللوح المحفوظ إن كانت للخير وإن كانت للشَّر. أهلُ الحق الصحابة لا يستثنون. لا يقولون ما كان من طاعة فبخلق الله وتقديره ومشيئته، وما كان من معصية فلا. عندهم لا تفريق. فمن أراد أن يكون على ما كانوا عليه اعتقد اعتقادهم، يعتقد ويجزم ويقطع بلا تردّد أن ما يفعلُه الإنسان هو بمشيئة الله وتقديره وتكوينه يحدث. وما لم يشأ الله أن يدخل في الوجود من أعمال العباد لا يدخل في الوجود. وكذلك الأعيان اي أجرام الأشياء، الأجرام الصغيرة والأجرام الكبيرة والأجرام الوسطى، كلُّ ذلك لا يكون وجودُه إلا بإحداث الله إيّاه بمشيئته (تعالى) وتقديره.

ومعنى قول سيدنا علي كانتا في أم الكتاب أي في اللوح المحفوظ. اهـ