شرح أرجوزة التوحيد لسيدي عبدالباقي المكاشفي رضي الله عنه – الجزء 1

Arabic Text By Jul 06, 2015

شرح أرجوزة التوحيد لسيدي عبدالباقي المكاشفي رضي الله عنه – الجزء 1

الحمدلله تعالى وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد،

فقد كان سيدي عبدالباقي القادري المكاشفي رضي الله تعالى عنه وعنا ببركته يعتني أشد الاعتناء ببيان عقائد أهل السنة والجماعة وما كان عليه الصحابة والتابعون وسلف الأمة المحمدية من عقيدة التوحيد التي هي العقيدة المنجية يوم الدين، ولذلك ألف رضي الله عنه أرجوزة سماها أرجوزة التوحيد قال في متنها إنها على وفق “عقد الأشعري” يعني بذلك إمام أهل السنة والجماعة أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رضي الله عنه وهو من السلف الصالح من ذرية الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، مع تنبيه أن هؤلاء الذين يدعون السلفية اليوم هم وهابية نجدية يشبهون الله بخلقه لا عبرة بهم ولو كان عندهم المليارات من الأموال، وفي صحيح البخاري “من نجد يطلع قرن الشيطان”، وقصيدة سيدي المكاشفي تردّ عليهم معتقدهم الفاسد في الله تعالى، وهو كان رضي الله عنه يعتني بتعليمها المريدين الذين كانوا يردون عليه لأخذ العهد بالطريقة وأوراد سيدي الباز الأشهب عبدالقادر الجيلاني رضي الله عنه، لأنه يعلم أنه مع فساد الاعتقاد لا تنفع أوراد ولا أذكار، فلذلك كانت تلك الأرجوزة مما اعتنى به مشايخ الطريقة شرحاً وتفهيماً وعلى ذلك السبيل نمضي رجاء شفاعة خير المرسلين سيدي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول راجياً دعاءكم، إنني خدمة لهذا النهج المبارك أقدم مقتطفات من تلك الأرجوزة مع شرح بسيط عساني ألحق بأذيال سيدي المكاشفي وخلفائه الكرام نفعني الله ببركاتهم وعسى أخاً في الله تعالى يذكرني بدعوة صالحة رحم الله من دعا لي بخير،

قال سيدي المكاشفي رضي الله عنه في افتتاحه أرجوزة التوحيد:

تَعَالَى الرَّبُّ عَنْ جَهَاتِ

وَبُعْدٍ وَقُــرْبٍ لَا لهُ مَكَان

المعنى: لما كان تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات هو من أساس شهادة التوحيد لا إله إلا الله، بدأ سيدي أبي مهال رضي الله عنه ببيان أن الله تعالى منزه عن الجهات والأمكنة، لأنه تعالى هو الذي خلقها وهو لا يحتاج إليها، والدليل من القرآن على تنزيه الله عن المكان قوله تعالى “هو الأول” (سورة الحديد) أي أن الله وحده لا بداية له، وكل ما سوى الله تعالى فله بداية لأنه مخلوق لله وحده، ومن تلك المخلوقات المكان الذي هو الجزء من الفراغ يملأه الإنسان أو الحيوان أو الجبل، أما الله تعالى فيتنزه عن أن يكون متحيزاً في جهة من الجهات الست، فلا هو بعيد بالمكان ولا قريب بالمكان، ولكن كما نطق القرآن: “إنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ” (سورة الأعراف)، وأما الله فهو منزه عن القرب المادي والحسي لأنه تعالى منزه عن أن يشار إليه بالحسّ القاصر عن إدراك بعض مخلوقات الله تعالى كالروح، فهو أكثر قصوراً عن إدراك الخالق جل وعلا لأنه تعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء.

العَالم أي كلُّ ما سِوَى الله، حَجمٌ أو صِفاتُ الحَجم، معناهُ ما لهُ كمّيّةٌ مخصُوصَةٌ. النُّورُ لهُ حُجمٌ يَشمَلُ كمّيّةً مَخصُوصَةً. والرّيحُ لها كَمّيّةٌ مَخصُوصَةٌ. بَعضُ الكَمّيّات لَطِيفَة وبَعضٌ كَثِيفَة. الصّوتُ أعَمُّ مِنَ الكَلام. الصَّوتُ قَد يَكُونُ بحَرف وقَد يكونُ بدُونِ حَرفٍ. كُلُّ هَذا مِن صِفاتِ الحَجم. ومِن صِفاتِ الحَجْم التّحَيُّز في المكانِ والجِهَة. الله منزه عن ذلك.

الله من صفاته الكلام لكن بلا حرف ولا صوت ولا لغة. كلام الله بلا كيفية.

كل صفات الله لا يجوز عليها الكيفية. صِفاتُ اللهِ كُلّها لَيسَت مُتَجَدِّدَة، ليست كصِفاتِ المخلُوقِين. صفات الله لا تتغيّر. كلها صفات كمال وجلال.

اللهُ لا علاقَةَ لهُ بالعَرش، أي لا مناسبة بينه وبينه كما لا عَلاقَة لهُ تعالى بالكعبَة.

الجلوس على شيء ما صفة المخلوق، الجالس مخلوق، والشيء الذي يجلس عليه مخلوق.

أما الله تعالى فهو الخالق ولا يجوز عليه صفة المخلوق.

الله موجود بلا كيف ولا مكان، هكذا قال الأئمة الأعلام، وهكذا قال سيدي المكاشفي رضي الله عنه وأرضاه.

وفهم من كلام سيدي أبي عمر رضي الله عنه أن نسبة المكان إلى الله أمر يخالف التوحيد كما سيأتي بيانه في ما بعد من أبيات الأرجوزة إن شاء الله تعالى، وهو ما قاله مؤلف الفتاوى الهندية في الفقه الحنفي مشهورة: “ويكفر بإثبات المكان لله”.