إنّ أَعظَمَ نِعَمِ اللهِ على عِبادِه نِعمَةُ الإسلام

Arabic Text By Jul 29, 2013

بسم الله الرحمن الرحيم

أَعظُم نِعمة وكفَى بها من نِعمةَ

نعمة الاسلام

والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين .

أما بعد فإنّ أَعظَمَ نِعَمِ اللهِ على عِبادِه نِعمَةُ الإسلام.

فمن رزقَهُ الله تعالى هذه النعمةَ على مذهبِ أهلِ السُنَّةِ والجمَاعةِ، وهُم من كانَ على ما كانَ عليه أصحابُ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلَّم في العقيدةِ فهوَ مِمَّن أرادَ اللهُ لهم خَيرًا.

أمّا مَن لم تكن عقِيدَتُه عقيدةَ أهلِ السُّنّةِ أي ما كانَ علَيها أصحَابُ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلَّم ومَن تَبِعهُم إلى عَصرِنا هذا من لم يَكُن على تِلكَ العقِيدةِ فهوَ منَ الهالكِين.

الرسولُ عليه السلام قال:{عَليكُم بالجمَاعةِ وإيّاكُم والفُرقَة}رواه أحمد والترمذي والنسائي والحاكم. فمعنى الجمَاعة هو اتّباعُ مَا كانَ علَيهِ أصحَابُ رسولِ الله.

فهذِه الأمّةُ تكونُ على تلكَ العقيدةِ إلى يومِ القيامةِ لكن فِرَقٌ انحرفوا عنها فهؤلاء الذينَ انحرفوا هُم هالِكُون.

في أصلِ العقيدةِ مَن كانَ على عقيدةِ الصّحابةِ ولم يَنحَرف عنها فهو على خَيرٍ ولو كانَ مُقَصّرًا في العِباداتِ، فهوَ أَفضَلُ مِن الذي هو صُورةً جادٌّ في العِبادةِ مجتَهِدٌ وهوَ على غَيرِ تِلكَ الطّريقةِ في العقيدةِ.

فالسُنِِّيُّ مهمَا كانَ مُقَصِّرًا فهو خَيرٌ مِن غَيرِ السُّنّيّ. لأنّ السّنّيّ هو على عقيدةِ الرّسولِ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابِه ومَن بَعدَهم مِمَّن تبِعَهم إلى يومِ القِيامة.

لا تَزالُ فِرقةٌ باقيَةٌ على عقيدةِ الرسولِ والصحابةِ إلى يومِ القِيامة في هذه الأمّةِ. الوَيلُ لمن انحرفَ.

{عليكُم بالجَماعَةِ} مَعناه مَا عَليه أصحَابُ رسولِ الله ومَن تَبعَهُم. هذه الجمَاعةُ ليسَت جماعَةَ الصّلاة.

ثَبتَ عن رسولِ الله عليه السلام أنّه قال:{سِتّةٌ لعَنهُم اللهُ ولعَنهُم كُلُّ نَبيّ مُجَاب}رواه مالك والحاكم والطبراني والترمذي وابن حبان. فذكر في السِّتةِ مَن تَركَ سُنّتَه وفارَقَ الجمَاعة، أي ترَك ما كانَ عَليه أصحابُه مِنَ الاعتقادِ وانحَرف عنهُم إلى غَيرِ ما كانُوا عليه. عَدّ أولئك السِّتّة فقال:{والتَّاركُ لِسُنّتي المفارقُ للجَماعَة} سُنّةُ الرسول ، الاعتقادُ الذي كانَ عليه هوَ لمّا علّمَه الصحابَةَ لِيُعلّمُوا غَيرَهُم وغَيرهم ليُعلِّمُوا مَن بَعدَهُم وهَكذا إلى نهايةِ الدّنيا.

هذهِ الأُمّةُ المحمّدِيّةُ ليسَت كسائِر أُمَمِ الأنبياءِ الذينَ انحرَفُوا عمّا دعَاهُم إليهِ نبِيُّهم، فأَهلَكهُم الله. كقومِ نُوح وقومِ عادٍ وقَومِ صَالح وجماعةِ فِرعَون الذينَ خالفُوا موسَى علَيه السّلام.

في الماضي، لمّا يحصلُ كُفرٌ في البشَرِ بَعدَ مَوتِ نَبيّ يُرسِلُ اللهُ نبيّا ءاخرَ فإذا كذّبُوه يُهلِكُهم اللهُ في الدُّنيا يُنـزِلُ بهم عَذابًا.

قومُ نُوحٍ هُم أَوّلُ مَن عَبدَ الوَثَن، قَبلَ قَومِه مَا كانَ في البشَرِ كافِرٌ يَعبُدُ الوَثنَ أو الشّمسَ أو القَمرَ أو نَجْمًا مِنَ النُّجُوم أو الشّيطان ،كلُّ النّاسِ كانُوا يَعبُدونَ الله.

ثمّ لما أَرسَلَ اللهُ نُوحًا فدَعَا النّاسَ إلى عِبادةِ اللهِ وتَركِ الأوثانِ خَالَفُوه مَا ءامنوا به إلا نحو ثمانينَ شَخصًا فقَط معَ طُولِ عُمره الذي هوَ أَكثَرُ مِن ألفِ سَنة.

هوَ قامَ بهم يَدعُوهُم إلى الإسلام تِسعَمائةٍ وخمسِينَ سنةً، عاشَ فيهِم تِسعَمائةٍ وخَمسينَ سنةً يَدعُوهُم إلى اللهِ فلَم يؤمِنوا بهِ قَطُّ بل أَصَرُّوا على عبادةِ الأوثانِ. فأَهلَكَهُم اللهُ بالغَرقِ، أمَرَ الأرضَ بأن تُخرِجَ ماءَها وأَمرَ السّماءَ بأن تُـنـزِلَ ماءَها. الأرضُ أَخرجَت ماءَها حتى ارتفَع الماءُ أربعينَ ذِراعًا على وجهِ الأرضِ ثم نَـزل ماءُ السّماءِ، زادَ الماءُ ارتِفاعًا حتى غَطّى كلَّ جِبالِ الدُّنيا، ما بقِيَ جبَلٌ إلا وغَطّاه . الناسُ الذين لم يؤمنوا به أكَلَهُمُ الماءُ الذي هو مؤلَّفٌ مِن ماءِ الأرضِ وماءِ السّماء . غطّى الماءُ الأرضَ حتى غَمَر كلَّ جِبالِ الدُّنيا.

ونجّى اللهُ نُوحًا ومَن ءامَن بهِ وبعضَ البهَائِم، اللهُ أَوحَى إليهِ أنْ يُدخِلَهُم في السّفينة.

اللهُ عَلّمَه كيفَ يَعمَلُ السّفينةَ. فنَجّى هؤلاءِ مِنَ البشَرِ والبهَائمِ،هؤلاءِ فقَط نَجَوا، أمّا الآخرونَ كلّهُم أَهلَكَهُم الله حتى أحَد أبنائِه الأربعَة اسمُه كَنعَان ما أطَاعَ أبَاه الله تَعالى أغرقَه معَ الكُفّار.

ثمّ هؤلاءِ الذينَ أَسلَمُوا معَ نُوحٍ عاشُوا في الأرضِ. الثّلاثةُ مِن أبناءِ نُوحٍ اللهُ تَعالى أَعطَاهُم ذُرّيةً أمّا البشَرُ الآخَرُونَ مَا عاشَت لهم ذُرِّية. الله تَعالى أَخرجَ هَذا البشَرَ كُلَّهُ مِن أولئكَ الثّلاثة. ثمّ هؤلاءِ أولادُهم بعدَ زمَانٍ كفَروا. فأرسَلَ اللهُ لهُم نبِيًّا اسمُه هُود عَربي كانَ يَعِيشُ باليَمن فكَذّبُوه فأَهلَكهُم اللهُ بالرِّيح. أهلَكَهُم بالرِّيح. ذلكَ اليَوم الرِّيحُ خَرجَت مِن دُونِ وَزْنٍ بأَيدِ الملائكةِ . اللهُ تعَالى أَرسلَها علَيهِم مِن غَيرِ أن تكونَ بأَيدِ الملائكة.

في سَائرِ الأيامِ الرِّيحُ لا تَخرجُ إلا بوزنٍ بأَيدِ الملائكةِ. ذلكَ اليوم أَفلَتَت منْ أَيدِيْهِم أبَادَتهُم. أَبادَت الكُفّار. وهَكذَا كانَ يتَكرّر بعدَ ذلكَ أيضًا مثلُ هَذا. أمّا بَينَ عِيسى وسيّدِنا محمّد مَا حصَلَ مِثلُ ذلكَ العَذاب في الدنيا.

الذينَ ءامنُوا بعِيسى واتّبعوهُ على شرِيعتِه عَاشُوا بعدَ ارتِفاعِ عِيسى إلى السّماء عَاشُوا على الإسلامِ مِائتي سنة. بعدَ مِائتي سنة انحرفَ الأغلَبُ وبقيَ مِنهُم جماعَاتٍ على الإسلام.

الذين انحرفُوا وبقُوا على الانحراف إلى أن أَرسَلَ اللهُ سيّدَنا محمدًا فلم يُرسل اللهُ عَذابًا مُستَأصِلا للكُفّار بينَ عِيسَى وسيّدِنا محمّد، وبعدَ سيدِنا محمدٍ إلى يومِ القِيامةِ لا يُرسِل اللهُ على البشَر عَذابًا مثلَ ذلكَ العذاب، لكن يحصُل خَسفٌ جُزئي ليسَ عامًّا ومَسخٌ جُزئيٌّ .

المسخُ هوَ أن يحَوِّلَ اللهُ صُورَ بعضِ البشَرِ قِردَةً وخَنازيرَ. لما يَغرقُونَ في الفِسقِ والفُجُورِ  يَحصُلُ في هذِه الأُمّةِ. اللهُ أَعلَمُ مَتى يحصُل هَذا لكنّه جُزئيٌّ شَىءٌ قَليلٌ. وقَذفٌ: أي يحصُل قَذفٌ يُرمَونَ بحِجَارةٍ منَ السّماءِ ويُقتَلُون. يموتُ أُناسٌ،هَذا يصِيرُ في هذِه الأُمّة.

ثمّ عقِيدَةُ أهلِ السُّنّةِ أهمُّها أَمرانِ أحَدُهما اعتقادُ أنّ اللهَ مَوجُودٌ لا يُشبِهُ شَيئًا. ليسَ كشَىءٍ منَ العَالمِ لا يُشبِهُ العَالَم اللطيفَ ولا العَالم الكثيفَ. العَالمُ الكثيفُ كالإنسانِ والحجَر والشّجر مما يُضبَطُ باليد، يُجَسّ باليَد. واللطيفُ مَا لا يُضبَطُ باليد ما لا يُجَسّ باليَدِ. ضَوءُ الشّمسِ لا يجَسُّ باليدِ والرِّيحُ كذلك. اللهُ لا يُشبِهُ هذا ولا يُشبِهُ هذا. ليس متَحيّزًا في مَكانٍ وجِهةٍ كالإنسان وسائرِ الأجسام لأنّ الجِسمَ لا بُدّ لهُ مِن جِهةٍ ومَكان.

اللهُ تَعالى ليسَ كذلكَ لا يتَحيَّز في جهةٍ ومَكان. كانَ قبلَ المكانِ والجِهةِ كانَ قبلَ المكانِ والجِهاتِ السِّتّ بلا مَكانٍ ولا جِهةٍ ثمّ خَلقَ المكَانَ والجِهاتِ السّت فهوَ ليسَ متَحيِّزًا في الجِهاتِ والمكَان.

لا يجوزُ أن يقالَ اللهُ في مَكانٍ كالعَرش ولا يجوزُ أن يقالَ اللهُ في كلِّ مَكانٍ. ولا يتّصِفُ اللهُ بصفَاتِ الأجسَامِ. الأجسَامُ مِن صِفاتها الحَركةُ والسّكون. بعضُ الخَلقِ متحَرِّكٌ دائمًا كالنّجومِ وبعضُ الخَلق ساكِنٌ دائمًا كالعرشِ والسّمواتِ السّبعِ وبعضُ الخَلقِ سَاكنٌ مَرّةً ومتَحرِّكٌ مرّةً كالإنسانِ والبهَائمِ والملائكةِ والجِنِّ، لهم سُكونٌ ولهم حَركةٌ، أوقَاتًا يتَحرّكُون وأَوقَاتًا يَسكُنونَ. اللهُ ليسَ هكَذا لا هوَ متَحرِّكٌ ولا هوَ سَاكِنٌ.

كذلكَ اللّونُ مِنْ صِفاتِ الخَلقِ البَياضُ والسّوادُ ونحوُ ذلكَ. كذلكَ التَّغيّرُ صِفةٌ مِن صِفاتِ خَلقِه فلا يجُوزُ على اللهِ التّحَوُّلُ مِن حَالٍ إلى حَال.

قُدرتُه ليسَت كقُدرَتِنا. قُدرتُنا تَزيدُ وتَنقُصُ أمّا قُدرتُه أَزليّةٌ أبدِيّةٌ لا تَزيدُ ولا تَنقُص. وعِلمُه أَزليّ أبَديّ لا يَزيدُ ولا يَنقُص. وكلامُه الذي ليسَ حَرفًا ولا صَوتًا لا يَزيدُ ولا يَنقُص ليسَ ككَلامِنَا. نحنُ نتَكلّمُ ننطِقُ بحرفٍ وصَوتٍ لذلكَ يكونُ كلامُنا متَجزّءًا يحصُل شَىءٌ مِنهُ ثم يَنتَهِي ثم يحصلُ شَىءٌ ثم ينتَهِي. أما كلامُه الذي هو متَكلِّمٌ بهِ ليسَ هَكذا لأنّهُ ليسَ حَرفًا وصَوتًا.

فَلا يَجُوزُ لأحَدٍ أن يَعتَقِدَ أنّ اللهَ قَرأَ القُرءانَ بالحرفِ والصّوتِ. إنما جِبريلُ قَرأَه، وجبريلُ مِن أَينَ أَخَذَه؟ أخذَهُ مِنَ اللّوحِ المحفُوظِ بأَمرِ اللهِ وقَرأَهُ على سيِّدِنا محمّدٍ,  فالمشبه المجسم جَاهِلٌ باللهِ عقِيدَتُه فاسِدةٌ لأنّه شَبّه اللهَ بخَلقِه. كيفَ يكونُ اللهُ ناطِقًا بالحَرف والصّوتِ نحنُ ننطِقُ بالحرفِ والصّوت.

هؤلاء الذينَ يعتقدونَ أنّ اللهَ قَرأ القُرءانَ على جبريلَ وجبريلُ قرأَه على محمّدٍ جعَلُوا اللهَ مِثلَ خَلقِه. حتى الحرفُ والصوتُ ما كانت، وكلُّ اللّغَاتِ ما كانَت مَوجُودةً قبلَ أن يخلُقَها اللهُ.

واللهُ تعالى كانَ متكَلِّمًا قبلَ وجُودِ الحَرفِ والصّوتِ.ولا يَزالُ متَكلِّمًا إلى ما لا نهايةَ لهُ كحَياتِه أَليسَ نعتقِدُ أنّ اللهَ حَيّ؟ بلَى. هلْ حَياةُ اللهِ تَنقطِعُ فَترةً ثم تَعودُ؟ لا. كذلكَ كلامُه ليسَ شَيئًا يتقَطّعُ وعِلمُه ليسَ شيئًا يتقَطّعُ وقُدرتُه ومَشيئَتُه، كلُّ صِفاتِه ليسَت أشياءَ متقطِّعَة.

ومَشيئَتُه لا تتَغيَّرُ، مشيئةٌ واحدةٌ شاملَةٌ لكُلِّ ما يَدخُل في الوجود.لا يَشاءُ وجُودَ شىءٍ ثم يُغيِّرُ إلى مشيئةٍ أُخرَى كخلقِه. نحنُ نشَاءُ في نفُوسِنا وجودَ شىءٍ ثمّ تَتغيّرُ مشيئَتُنا فنشَاءُ عَدمَ وجُودِه نشاءُ أن لا يكونَ بعدَ أن كُنّا نشَاءُ أن يكونَ. تتَغيّرُ مشيئَتُنا فنَشاءُ أن لا يكونَ ذلكَ الشّىء. فمشيئةُ الله ليست كذلكَ .

فمَن عرَف اللهَ على هذا الوجهِ فهوَ عارفٌ باللهِ أمّا مَن لم يَعرفْه على هذا الوجهِ فهو غيرُ عارفٍ باللهِ كمَا قال سيدُنا عليّ:{مَن زعَم أنّ إلهنَا محدُودٌ فقَد جَهِلَ الخَالقَ المعبُود} أي مَن أعتقدَ أنَّ اللهَ لهُ حَجمٌ مَا عَرفَ خَالقَه.

سيدُنا عليٌّ يقولُ إنّ اللهَ ليسَ محدودًا أي ليسَ حَجمًا صَغيرًا ولا حجمًا كبيرًا فمن اعتقَد أن اللهَ حَجمٌ كبيرٌ  أو  صغيرٌ أو بَينَ الكِبيِر والصغير هَذا ما عَرفَ الله.

مَعنى  اللهُ أكبرُ أي اللهُ أقوى مِن كُلِّ قَادرٍ وأَعلَمُ مِن كُلِّ عَالم ليسَ مَعناه أنّ اللهَ شَىءٌ ضَخمٌ أَخذَ مِساحَةً كبيرةً. اللهُ هوَ خَلقَ الحَجمَ الصّغيرَ كحَبّةِ الخَردلِ ثمّ أكبَر منها بقَليل كحَبّةِ سِمسِم ثم أَكبَرُ منها بقَليلٍ كحَبّةِ قَمحٍ ثم أكبَر مِنها بقَليلٍ كحَبّةِ فُولٍ ثم أكبَر مِنها بقَليلٍ كحَبّة عِنَب ثم هكذا إلى العَرشِ وهو أكبَرُ المخلُوقاتِ حَجمًا.

مَا أجهَلَ هؤلاءِ الذينَ يظُنُّونَ أن اللهَ شىءٌ لهُ حَجمٌ ما أجهَلهُم، لو كانَ لهُ حَجمٌ لاحْتاجَ إلى خَالِقٍ خلَقَه على ذلكَ الحَجم.

الشّمسُ هو خَلَقَها على هذا الحَجْم جَعَلَ شَكلَها مُستَدِيرًا ولَونها بيَاضًا وجَعَل صفَتَها الحَرارة. لِمَ لمْ  تَكُن أكبرَ مِن هَذا لِمَ لم تكنْ أصغَر لِمَ لم تَكُن لونُها غَيرَ هَذا لِمَ لم تكن صفتُها البُرودةُ كالقَمر؟كلُّ شَىء لهُ حَجمٌ لا يكونُ إلها.

الإلهُ موجُودٌ ليسَ حجمًا صغيرًا ولا حَجمًا كبيرا.اللهُ حَقيقةٌ ليسَ حَجمًا كثيفًا ولا حَجمًا لطِيفًا ولا متّصفًا بصفاتِ الحَجم اللّطيفِ والكَثِيف.

ثمّ الأمرُ الثّاني مِنْ أُمُورِ العَقِيدةِ الذي هوَ أَهَمُّ الأمورِ بعدَ مَعرفةِ اللهِ اعتقادُ أنّ اللهَ هوَ خَالقُ كلُِّ شَىءٍ، لا شَىءَ يَدخُلُ في الوجُودِ مِنَ  الحَجم والحركاتِ والسّكناتِ حَركاتِ العبادِ وسَكنَاتهِم والنّظَراتِ والكلامِ والمَشيِ والتّفكيرِ إلا بخلقِ اللهِ، اللهُ يَخلُقُه في عبادِه نحنُ لا نخلقُ شيئًا. إنْ نطَقْنَا فاللهُ خَالقُ هذَا النُّطقِ لَسْنَا نحنُ خَلقنَاهُ وإنْْ  نظَرنَا إلى شىءٍ فاللهُ هوَ الذي يخلُق هذا النّظرَ  وإن تفَكّرنَا في شَىءٍ فاللهُ هو الذي يخلُق هذا التّفكِيرَ وهكذا كلُّ أفعالِ العِبادِ، نحنُ لا نخلق شيئًا بل الله يَخلُقُ فِينَا أعمَالَنا كلَّها. فمَن اعتقَدَ أنّ غيرَ اللهِ يَخلُق شَيئًا مِنَ الحَركاتِ أو السّكَنات أو التّفكِير أو المحبّةِ أو البُغضِ أو الفَرح أو الحُزنِ فهوَ مُشرِكٌ كافرٌ أَشرَكَ باللهِ خَلْقَه.

كمَا أنّه خلَق أجسَامَنا هو الذي يخلُقُ نُطقَنا وحركاتِنا وسكناتِنا، كلُّ شَىءٍ نَفعَلُه هو يخلقُه كمَا خلَقَ أجسَامَنا.

هَاتان المسألتانِ أهَمُّ مسَائلِ العقيدةِ. أهَمُّ مَسائلِ الدِّين. بعدَ هَاتَين العقيدتين المسائلُ الأخرى مِن أركانِ الإيمان مِن جملةِ المهمّات لكن ليسَت كهاتينِ المسألتَينِ، مَن غَلِطَ في هَاتَينِ المسأَلتينِ كافرٌ.

حِزبُ التّحريرِ يقولونَ اللهُ يَخلُق الأجسامَ وحَركاتِ النّائم والحركاتِ التي تحصُل بلا إرادةٍ مِنّا أمّا الحركاتُ التي نَعمَلُها بإرادَتِنا كالنُّطقِ والنّظرِ والمَشيِ والتّفكيرِ يقولونَ نحنَ نَخلقُه هؤلاءِ كُفّارٌ مشرِكُونَ لأنّ الخَلقَ بمعنى إبرازِ المعدُومِ منَ العَدَمِ إلى الوجودِ خَاصّ باللهِ فمَن جعَل هذَا لغَيرِ اللهِ أَشركَ باللهِ. أمّا الذي يَعتَقِدُ في اللهِ أنّه متَحَيِّزٌ في مَكانٍ أو أنّه حَجمٌ كبيرٌ أو أنّه حَجمٌ كحَجمِ البشَرِ هَذا ما عَرفَ الله كُفرُه مِن جَهلِه باللهِ.

أمّا ما بَعدَ هذا كالإيمانِ بالملائكةِ والإيمانِ بالكتُبِ السّماويةِ والإيمانِ بالرُّسُل والإيمانِ باليومِ الآخِر ليسَ بدَرجةِ هَاتَينِ المسأَلتَين.

مَن عَرفَ سيِّدَنا محمّدًا واعتقَدَ أنّ اللهَ هوَ الموجودُ الذي لا يَستَحِقُّ أن يُعبَد غَيرُه. صَارَ مُسلمًا مؤمِنًا يَكفي لأصلِ الإيمانِ هذا.مَن عَرفَ اللهَ تَعالى كما يجبُ واعتقَدَ أنّه لا يَستَحِقُّ أنْ يُعبَد إلا هوَ واعتقَدَ أنّهُ لا يَخلُق شَيئًا مِنَ الأشياءِ إلا اللهُ وءامَنَ بسَيِّدِنا محمدٍ أنّه رسولُ اللهِ فهوَ مُسلمٌ مؤمِنٌ لو لم يؤدِّ الفَرائضَ لو لم يخطُر لهُ أَمْر الملائكةِ لو لم يَخطُر لهُ أَمرُ الآخِرةِ. إنما استَحضَر في قَلبِه مَعرفةَ الله ومعرفةَ الرسولِ ولم يعتقِد أنّ ما سوى اللهِ يَخلقُ شيئًا مِنَ الأشياءِ هذَا يُقالُ لهُ مؤمنٌ مسلِمٌ.

لكن لا يَكونُ مؤمنًا كامِلا حتى يؤدِّيَ الفَرائضَ كلَّها ويجتَنبَ المحرّماتِ كلَّها. مَن يُؤدِّ الفَرائضَ كُلَّها ويتَعلّمُ عِلمَ الدِّين الضّروريَّ ويَعمَلُ بذلكَ عندئذٍ يكونُ مُسلِمًا كامِلا وليّا يكونُ منَ الذينَ لا خَوفٌ علَيهِم ولا هُم يَحزَنُونَ.

نصيحة عالم زاهد ورع رحمه الله رحمة واسعة لمريديه

اتّقُوا اللهَ فالدُّنيا لا تُغني منَ الآخِرة وقَد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: لا تَزولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيامَةِ حَتى يُسأَلَ عَن أَربَع، عن عُمُرِه فِيمَا أَفنَاهُ، وعَن جِسمِه فِيمَا أَبلاه، وعن مَالِه مِن أَينَ أَخَذَه وفيمَا أَنفَقَه، وعن عِلمِه مَاذا عَمِلَ بِه“(رواه الطبراني والبيهقي وابن أبي شيبة) فمَهمَا جمَع الإنسانُ منَ المالِ الحرامِ وتَنعّمَ بهِ فإنّه زائِلٌ فعَليكُم بتَقوى اللهِ وذِكْرِ الآخِرة وذِكرِ الموت، قال اللهُ تعالى:﴿قُل مَتاع الدُّنيا قَليلٌ والآخِرَةُ خَيرٌ لمن اتّقَىفمَهما جمَع الإنسانُ مِنَ المالِ وتَنعَّمَ بأنواعِ المَلَذَّاتِ والمُشتَهَياتِ لا بُدّ أن يُفَارقَ ذلكَ بالموتِ. اذكُرُوا ما جَرى لمن قَبلَكُم مِنَ الذينَ جمَعُوا الأموالَ كقَارونَ الذي خَسَفَ اللهُ بهِ وبِدَارِه الأرضَ والذّهَبَ الكَثيرَ الذي كانَ جمَعَه وكانَ قَدْرُ ذَهَبِه مَا لا يُوجَدُ اليومَ عندَ دَولةٍ منَ الدُّوَل، وكذَلكَ مَا جَرى لشَدّادِ بنِ عَادٍ الذي حَكَمَ الدُّنيا وكانَ تحتَ يَدِه مِائتَانِ وسِتّونَ مَلِكًا وكانَ على الكفرِ وأرادَ أن يَبني مَدينةً أوصَافُها كمَا سمِعَهُ مِن أوصَافِ الجَنّةِ فجَمَع الذّهَب والجَواهِرَ مِنَ الدّنيا وبَنى في ثَلاثِمائةِ سنةٍ مَدينةً شبّهَها بالجنّةِ ثم دمّرَه اللهُ تَعالى وقَومَه قبلَ أن يَدخُلَها وكانَ عمُرُه تِسعَمائةِ سنة.